للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويُخنق كما خَنَق؛ لأن هَذَا أقرب إلى العدل، وحصولِ مُسمّى القصاص، وإدراك الثأر، والزجر المطلوب منْ القصاص، وهذا مذهب مالك، والشافعيّ، وإحدى الروايتين عن أحمد.

قالوا: وأما كون القصاص لا يجب فِي الجرح حَتَّى ينتهي إلى حدّ، ولا فِي الطرّف حَتَّى ينتهي إلى مَفصل؛ لتحقّق المماثلة، فهذا إنما اشتُرط؛ لئلا يزيد المقتصّ عَلَى مقدار الجناية، فيصير المجنيّ عليه مظلومًا بذهاب ذلك الجزء، فتعذّرت المماثلة، فصرنا إلى الدية، وهذا بخلاف اللطمة، والضربة، فإنه لو قدّر تعدّي المقتصّ فيها لم يكن ذلك بذهاب جزء، بل بزيادة ألم، وهذا لا يمكن الاحتراز منه، ولهذا توجبون التعزير، مع أن ألمه يكون أضعاف ألم اللطمة، والبرد منْ سنّ الجاني مقدار ما كسر منْ سنّ المجنيّ عليه، مع شدّة الألم، وكذلك قلع سنّه، وعينه، أو نحو ذلك، لابدّ فيه منْ زيادة ألم ليصل المجنيّ عليه إلى استيفاء حقّه، فهلاّ اعتبرتم هَذَا الألم المقدّرة زيادته فِي اللطمة، والضربة، كما اعتبرتموه فيما ذكرنا منْ الصور، وغيرها؟.

قَالَ المانعون: كما عدلنا فِي الإتلاف الماليّ إلى القيمة، عند تعذّر المماثلة، فكذلك هاهنا، بل أولى لحرمة البشرة، وتأكّدها عَلَى حرمة المال.

قَالَ المجوّزون: هَذَا قياس فاسدٌ منْ وجهين: [أحدهما]: أنكم لا تقولون بالمماثلة فِي إتلاف المال، فإنه إذا أتلف عليه ثوبًا لم تجوّزوا أن يُتلف عليه مثله منْ كلّ وجه، ولو قطع يده، وقتله لقطعت يده، وقُتل به، فعلم الفرق بين الأموال والأبشار، ودلّ عَلَى أن الجناية عَلَى النفوس والأطراف يُطلب فيها الْمُقاصّة بما لا يُطلب فِي الأموال.

[والثاني]: منْ هو الذي سلّم لكم أن غير المكيل والموزون يُضمن بالقيمة، لا بالنظير، ولا إجماع فِي المسألة، ولا نصّ؟، بل الصحيح أنه يجب المثل فِي الحيوان وغيره بحسب الإمكان، كما ثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- فِي جزاء الصيد أنهم قضوا فيه بمثله منْ النعم، بحسب الإمكان، فقضوا فِي النعامة ببدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الظبي بشاة، إلى غير ذلك.

قَالَ المانعون: هَذَا عَلَى خلاف القياس، فيصار إليه؛ اتّباعًا للصحابة، ولهذا منعه أبو حنيفة، وقدّم القياس عليه، وأوجب القيمة.

قَالَ المجوّزون: قولكم: إن هَذَا عَلَى خلاف القياس، فرع عَلَى صحّة الدليل الدّالّ عَلَى أن المعتبر فِي ذلك هو القيمة، دون النظير، وأنتم لم تذكروا عَلَى ذلك دليلاً، منْ كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع، حتّى يكون قضاء الصحابة بخلافه، عَلَى خلاف القياس، فأين الدليل؟.