قَالَ المانعون: الدليل عَلَى اعتبار القيمة فِي إتلاف الحيوان، دون المثل، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ضمّن معتق الشَّقص إذا كَانَ موسرًا بقيمته، ولم يضمّنه نصيب الشريك بمثله، فدلّ عَلَى أن الأصل هو القيمة فِي غير المكيل والموزون.
قَالَ المجوّزون: هَذَا أصل ما بنيتم عليه اعتبار القيمة فِي هذه المسائل وغيرها، ولكنه بناء عَلَى غير أساس، فإن هَذَا ليس مما نحن فيه فِي شيء، فإن هَذَا ليس منْ باب ضمان المتلفات بالقيمة، بل هو منْ باب تملّك مال الغير بالقيمة، كتملّك الشقص المشفوع بثمنه، فإن نصيب الشريك يقدّر دخوله فِي ملك المعتِقِ، ثم يَعتِق عليه بعد ذلك، والقائلون بالسراية متّفقون عَلَى أنه يَعتِق كله عَلَى ملك المعتِقِ، والولاء له، دون الشريك. واختلفوا، هل يسري العتق عقب إعتاقه، أو لا يَعتق حَتَّى يؤدّي الثمن؟ عَلَى قولين للشافعيّ، وهما فِي مذهب أحمد، قَالَ شيخنا -يعني ابن تيميّة-: والصحيح أنه لا يَعتق إلا بالأداء.
وعلى هَذَا ينبني ما إذا أعتق الشريك نصيبه بعد عتق الأول، وقبل وزن القيمة، فعلى الأول لا يعتق عليه، وعلى الثاني يعتق عليه، ويكون الولاء بينهما.
وعلى هَذَا أيضًا ينبني ما إذا قَالَ أحدهما: إذا أعتقت نصيبك، فنصيبي حرّ، فعلى القول الأول لا يصحّ هَذَا التعليق، ويَعتق كله فِي مال المعتِقِ، وعلى القول الثاني يصحّ التعليق، ويَعتق نصيب الشريك منْ ماله.
فظهر بهذا أن استدلالكم بالعتق استدلالٌ باطلٌ، بل إنما يكون إتلافًا إذا قتله، فلو ثبت لكم بالنصّ أنه ضمن قاتل العبد بالقيمة دون المثل، كَانَ حجةً، وأنَّى لكم بذلك؟.
قالوا: وأيضًا فالفرق واضحٌ بين أن يكون الْمُتْلَفُ عينًا كاملةً، أو بعضَ عين، فلو سلّمنا أن التضمين كَانَ تضمين إتلافٍ لم يجب مثله فِي العين الكاملة، والفرق بينهما أن حقّ الشريك فِي العين التي لا يمكن قسمتها فِي نصف القيمة مثلاً، أو ثلثها، فالواجب له منْ القيمة بنسبة ملكه، ولهذا يُجبر شريكه عَلَى البيع إذا طلبه ليتوصّل إلى حقّه منْ القيمة، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- راعى ذلك، وقوّم عليه العبد قيمةً كاملةً، ثم أعطاه حقّه منْ القيمة، ولم يقوّم عليه الشقص وحده، فيعطيه قيمته، فدلّ عَلَى أن حق الشريك فِي نصف قيمته، فإذا كَانَ كذلك، فلو ضمّنّا المعتق نصيب الشريك بمثله منْ عبد آخر لم نُجبره عَلَى البيع إذا طلبه شريكه؛ لأنه إذا لم يكن له حقّ فِي القيمة، بل حقّه فِي نفس العين، فحقّه باقٍ منها.
قالوا: فظهر أنه ليس معكم أصلٌ تقيسون عليه، لا منْ كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع. وَقَدْ ثبت فِي "الصحيح": أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اقترض بَكْرًا، وقضى خيرًا منه، واحتجّ به منْ