عَلَى عادة الأعراب، وجفائهم منْ الحياء، واحترام جانب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدّم قبل باب (فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بهِمْ) أي قصدوا زجرهم، وإيقاع التأديب عليهم (فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَكُفُّوا، فَكَفُّوا) أي أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأن يتركوا ما قصدوه، فتركوه (ثُمَّ دَعَاهُمْ) أي دعا القوم (قَالَ: "أَرَضِيتُمْ) أي بعد أن زادهم منْ المال، وفي رواية أبي داود: "ثم دعاهم، فزادهم، فَقَالَ: أرضيتم" (قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَإِنَّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ"، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ:"أَرَضِيتُمْ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ) أي رضينا بالزيادة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٢٥/ ٤٧٨٠ - وفي "الكبرى" ٢٤/ ٦٩٨٠. وأخرجه (د) فِي "الديات" ٤٥٣٤ (ق) فِي "الديات" ٢٦٣٨. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان ثبوت القصاص منْ السلطان إذا حصل منه ما يوجبه، ووجه الاستدلال بحديث الباب، أنه -صلى الله عليه وسلم- لَمّا جاؤوه طالبين القود ما أنكر ذلك عليهم، وإنما طلب منهم أخذ العوض شفاعةً، فدلّ ذلك عَلَى أنه يُقتصّ منْ السلطان. (ومنها): جواز إرضاء المشجوج بأكثر منْ دية الشّجّة إذا طلب المشجوج القصاص. قاله الخطّابيّ. (ومنها): أن القول فِي الصدقة قول ربّ المال، وأنه ليس للساعي ضربه، وإكراهه عَلَى ما لم يُظهر له منْ ماله. قاله الخطّابيّ أيضًا. (ومنها): ما كَانَ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ الصبر عَلَى جفاء الأعراب، وسوء أدبهم. (ومنها): ما كَانَ عليه الأعراب منْ الجفاء، والغلظة، والجهل بحقوق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حيث أنكروا ما كانوا وعدوه منْ موافقتهم عَلَى الرضى بما طلب منهم منْ أخذ العوض عَلَى القود. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".