رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالكوفيين. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. (ومنها): أن قيسًا هو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة كلهم عَلَى خلاف فِي عبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه روى عنه، ولا يوجد هَذَا لتابعي سواه. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ قَيْس) بن أبي حازم رحمه الله تعالى (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، بَعَثَ سَرِيَّةً) بفتح السين المهملة، وتشديد الياء التحتانيّة: هي القطعة منْ الجيش، فَعِيلةٌ بمعنى فاعلة، سُمّيت بذلك؛ لأنها تَسرِي فِي خُفية، والجمع سَرَايا، وسَرِيّات، مثلُ عطيّة، وعطايا، وعطيّات (إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ) بفتح الخاء المعجمة، وسكون المثلّثة، وفتح المهملة، آخره ميم: هو خثعم بن أنمار، أبو قبيلة منْ مَعَدّ. قاله فِي "القاموس"(فَاسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ) بالبناء للفاعل: أي طلبوا لأنفسهم العصمة بإظهار السجود (فَقُتِلُوا) بالبناء للمفعول: أي قتلهم المسلمون خطأ؛ لظنّهم أنهم مشركون. وفي رواية أبي داود:"فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قَالَ: فبلغ ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأمر لهم بنصف العقل"(فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-) بعد علمه بإسلامهم، وأنهم قُتلوا خطأ (بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أي نصف الدية، وإنما قضى لهم بنصف العقل، ولم يكمل لهم الدية، بعد علمه بإسلامهم؛ لأنهم قد أعانوا عَلَى أنفسهم بمُقامهم بين ظهراني الكفّار، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه، وجناية غيره، فسقط حصّة جنايته منْ الدية.
وأما اعتصامهم بالسجود، فإنه لا يُمحّص الدلالة عَلَى قبول الدِّين؛ لأن ذلك قد يكون منهم فِي تعظيم السادة، والرؤساء، فعُذروا؛ لوجود الشبة. قاله الخطّابيّ رحمه الله تعالى فِي "معالم السنن" ٣/ ٤٣٦.
وَقَالَ ابن القيّم رحمه الله تعالى: قَالَ بعض أهل العلم: إنما أمر لهم بنصف العقل، ثم ذكر ما تقدّم فِي كلام الخطّابيّ إلى قوله: فكانوا كمن هلك بجناية نفسه، وجناية غيره. ثم قَالَ: وهذا حسنٌ جدًّا. انتهى "تهذيب السنن" ٣/ ٤٣٦.
(وَقَالَ:"إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ) أي يعيش معهم، ولا يفارقهم، ولفظ أبي داود: "أنا برىء منْ كلّ مسلم يُقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله لم؟، قَالَ: لا تراءى ناراهما" (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا) أداة استفتاح وتنبيه (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) أصله لا تتراءى، حُذفت منه إحدى التاءين، وهو منْ الترائي، وهو تفاعلٌ، منْ الرؤية، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} الآية [الشعراء: ٦١]: أي لا ينبغي للمسلم أن ينزل بقرب الكافر، بحيث يقابل نار كلّ منهما نار صاحبه، حَتَّى كأنّ نار كلّ