وَقَالَ العلامة ابن الأثير رحمه الله تعالى فِي "النهاية" ٢/ ١٧٧ - : أي يلزم المسلم، ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أُوقدت فيه ناره تلوح، وتظهر لنار المشرك، إذا أوقدها فِي منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين فِي دارهم. وإنما كره مُجاورة المشركين؛ لأنهم لا عهد لهم، ولا أمان، وحث المسلمين عَلَى الهجرة. والترائي تفاعلٌ منْ الرؤية، يقال: تراءى القوم: إذا رأى بعضهم بعضًا، وتراءى لي الشيء: أي ظهر حَتَّى رأيته، وإسناد الترائي إلى النارين مجازٌ، منْ قولهم: داري تنظر إلى دار فلان: أي تقابلها، يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعوا إلى الشيطان، فكيف يتّفقان. والأصل فِي تراءى تتراءى، فحُذفت إحدى التاءين؛ تخفيفًا. انتهى كلام ابن الأثير.
وَقَالَ الإِمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى فِي "معالم السنن" ٣/ ٤٣٦ - ٤٣٨ - : وقوله: "لا تتراءى ناراهما" فيه وجوه:
[أحدها]: معناه: لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم. وَقَالَ بعضهم: معناه: أن الله تعالى قد فرق بين دار الإِسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يُساكن الكفّار فِي بلادهم، حَتَّى إذا أوقدوا نارًا كَانَ منهم بحيث يراها.
[وفيه وجه ثالث]: ذكره بعض أهل اللغة، قَالَ: معناه: لا يتّسم بسِمَة المشرك، ولا يتشبّه به فِي هديه، وشكله، والعرب تقول:"ما نار بعيرك؟ ": أي ما سيمته، ومن هَذَا قولهم:"نارها نجاها": يريدون: أن مِيسَمَها يدلّ عَلَى كومها، وعُتُقها، ومنه قول الشاعر:
يريدون أنهم يعرفون الكرام منها بسماتها، فيُقدّمونها فِي السقي عَلَى اللئام. انتهى كلام الخطّابيّ.
وَقَالَ العلامة ابن القيّم رحمه الله تعالى فِي "تهذيب السنن" ٣/ ٤٣٦ - ٤٣٧: والذي يظهر لي منْ معنى الْحَدِيث: أن النار هي شعار القوم عند النزول، وعلامتهم، وهي تدعوا إليهم، والطارق يأنس بها، فإذا ألمّ بها، جاور أهلها، وسالمهم، فنار المشركين تدعوا إلى الشيطان، وإلى نار الآخرة، فإنها إنما توقد فِي معصية الله، ونار المؤمنين تدعوا إلى الله، وإلى طاعته، وإعزاز دينه، فكيف تتّفق الناران، وهذا شأنهما؟. وهذا منْ أفصح الكلام، وأجزله، المشتمل عَلَى المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة. وَقَدْ روى النسائيّ ٧٣/ ٢٥٦٨ بإسناد صحيح، منْ حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن