قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين، إذا قتل الآخر، فالآية محكمة، وفيها إجمال، يبينه قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: ٤٥]، وبينه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بسنته، لَمّا قتل اليهودي بالمرأة، قاله مجاهد، وذكره أبو عبيد، عن ابن عباس. ورُوي عن ابن عباس أيضا: أنها منسوخة بآية المائدة، وهو قول أهل العراق.
قَالَ: وَقَالَ الكوفيون، والثوري: يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، واحتجوا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة: ١٧٨]، فعمّ، وقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، قالوا: والذمي مع المسلم متساويان فِي الحرمة التي تكفي فِي القصاص، وهي حرمة الدم الثابتة عَلَى التأبيد، فإن الذمي محقون الدم عَلَى التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار منْ أهل دار الإِسلام، والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل عَلَى أن مال الذمي، قد ساوى مال المسلم، فدل عَلَى مساواته لدمه، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد سبقّ أن الحقّ هو قول الجمهور، وهو أنه لا يقتل المسلم بالكافر مطلقًا، ذميًّا كَانَ، أو حربيًّا؛ لحديث عليّ -رضي الله عنه- المتّفق عليه، مرفوعًا:"ولا يقتل مسلم بكافر"، وَقَدْ تقدّم تحقيقه فِي بابه، فلا تغفل. والله تعالى أعلم.
(إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨]، فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}: يَقُولُ: يَتَّبعُ هَذَا بالْمَعْرُوفِ) أي يتّبع وليّ المقتول الذي عفا القاتلَ، ويطلب منه الدية بالمعروف: أي بالوجه اللائق أن يطلب ({وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: وَيُؤَدَّي هَذَا بإِحْسَانٍ) أي يؤدّي القاتل بأحسن وجه، فإن وليّ المقتول قد أحسن إليه، حيث ترك دمه بالمال، فينبغي له أن يؤدّي إليه بأحسن وجه.
وَقَالَ النسفيّ رحمه الله تعالى فِي "تفسيره": قالوا: العفو ضدّ العقوبة، يقال: عفوت عن فلان: إذا صَفَحتَ عنه، وأعرضت عن أن تعاقبه، وهو يتعدّى بـ"عن" إلى الجاني، وإلى الجناية، {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}، {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}، وإذا اجتمعا عُدّي إلى الأول باللام،، فتقول: عفوت له عن ذنبه، ومنه الْحَدِيث:"عفوت لكم عن صدقة الخيل، والرقيق". وَقَالَ الزجّاج: منْ عُفي له: أي منْ تُرِك له القتل بالدية. وَقَالَ الأزهريّ: العفو فِي اللغة: الفضل، ومنه:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية [البقرة: ٢١٩]، ويقال: عفوت لفلان بمال: إذا أفضلت له، وأعطيته، وعفوت له عما لي عليه: إذا تركته، ومعنى الآية عند الجمهور: فمن عُفي له منْ جهة أخيه شيء منْ العفو، عَلَى أن الفعل مسند إلى المصدر، كما فِي سِير بزيد بعضُ السير، والأخُ وليّ