للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المقتول، وذُكر بلفظ الأخوّة بعثًا له عَلَى العطف؛ لما بينهما منْ الجنسيّة، والإِسلام، و"منْ" هو القاتل المعفوّ له عما جنى، وتُرك المفعول الآخر؛ استغناءً عنه. وقيل: أُقيم "له" مُقام "عنه"، والضمير فِي "له"، و"أخيه" لـ"منْ"، وفي "إليه" للأخ، أو للمتّبع الدّالّ عليه {فَاتِّبَاعٌ}؛ لأن المعنى: فليتّبع الطالبُ القاتلَ بالمعروف، بأن يُطالبه مطالبةً جميلةً، ولْيؤدّ إليه المطلوب: أي القاتل بدلَ الدم بإحسان، بأن لا يُمطله، ولا يبخسه. وإنما قيل: شيء منْ العفو؛ ليُعلم أنه إذا عفا عن بعض الدم، أو عفا عنه بعض الورثة، تمّ العفو، وسقط القصاص. ومن فسّر "عُفي" بتُرك، جَعَل "شيءٌ" مفعولاً به، وكذا منْ فسّره بأُعطي، يعني أن الوليّ إذا أُعطي له شيءٌ منْ مال أخيه، يعني القاتل بطريق الصلح، فليأخذه بمعروف، منْ غير تعنيف، وليؤدّه القاتل إليه بلا تسويف.

وارتفاع "اتّباعٌ" بأنه خبر مبتدإٍ مضمر: أي فالواجب اتباع. انتهى "مدارك التنزيل" ١/ ٩١/ ٩٢. وقيل: "اتّباعٌ": مبتدأ خبره محذوفٌ: أي فعليه اتّباعٌ بالمعروف.

وَقَالَ أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى: اختلف العلماء فِي تأويل: "منْ" و"عُفِي" عَلَى تأويلات خمس:

[أحدها]: أن "منْ" يرد بها القاتل، و"عُفي" تتضمن عافيا، هو ولي الدم، و"الأخ": هو المقتول، و"شيء": هو الدم الذي يُعْفَى عنه، ويُرجَع إلى أخذ الدية، هَذَا قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وجماعة منْ العلماء، والعفو فِي هَذَا القول عَلَى بابه، الذي هو الترك، والمعنى: أن القاتل إذا عفا عنه ولي المقتول، عن دم مقتوله، وأسقط القصاص، فإنه يأخذ الدية، ويتبع بالمعروف، ويؤدي إليه القاتل بإحسان.

[الثاني]: وهو قول مالك، أن "منْ" يراد به الولي، و"عفي" يُسِّرَ، لا عَلَى بابها فِي العفو، و"الأخ": يراد به القاتل، و"شيء": هو الدية: أي أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص، عَلَى أخذ الدية، فإن القاتل مخير بين أن يعطيها، أو يُسَلِّم نفسه، فمرةً تيسر، ومرةً لا تيسر، وغير مالك، يقول: إذا رضي الأولياء بالدية، فلا خيار للقاتل، بل تلزمه. وَقَدْ روي عن مالك هَذَا القول، ورجحه كثير منْ أصحابه. إلى آخر ما ذكر القرطبيّ رحمه الله تعالى، فراجع "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٥.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح هو القول الأول؛ لأنه الذي أخرجه البخاريّ، والمصنّف عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، الذي هو ترجمان القرآن، ولاسيما وَقَدْ قَالَ به كثير منْ أهل العلم. والله تعالى أعلم بالصواب.

وقوله: ({ذَلِكَ) أي الحكم المذكور منْ العفو، وأخذ الدية (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}، مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي علي بني إسرائيل (إِنَّما هُوَ الْقِصَاصُ،