للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَيْسَ الدِّيَةَ) ظاهر هَذَا أنه ليس علي بني إسرائيل إلا القصاص، قَالَ ابن بطّال: فيه إشارة إلى أن أخذ الدية لم يكن فِي بني إسرائيل، بل كَانَ القصاص متحتّمًا، فخفّف عن هذه الأمة بمشروعيّة أخذ الدية، إذا رضي أولياء المقتول. انتهى.

وَقَالَ القرطبيّ فِي "تفسيره": قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}؛ لأن أهل التوراة كَانَ لهم القتل، ولم يكن غير ذلك، وأهل الإنجيل كَانَ لهم العفو، ولم يكن لهم قَوَدٌ، ولا ديةٌ، فجعل الله تعالى ذلك تخفيفًا لهذه الأمة، فمن شاء قتل، ومن شاء أخذ الدية، ومن شاء عفا. انتهى.

[تنبيه]: قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: أي منْ تجاوز بعد ذلك التخفيف ما شُرِع له، منْ قتل غير القاتل، أو القتل بعد أخذ الدية، فله نوعٌ منْ العذاب شديد الألم فِي الآخرة. انتهى "تفسير النسفي" ١/ ٩٢.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "تفسيره" ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤: قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ}: شرط وجوابه: أي قَتَلَ بعد أخذ الدية، وسقوط الدم قاتلَ وَلِيِّه فله عذاب أليم. قَالَ الحسن: كَانَ الرجل فِي الجاهلية، إذا قَتَل قَتيلا فَرَّ إلى قومه، فيجىء قومه، فيصالحون بالدية، فيقول ولي المقتول: إني أقبل الدية حَتَّى يأمن القاتل، ويخرج، فيقتُلُه، ثم يرمي إليهم بالدية.

واختلف العلياء فيمن قتل بعد أخذ الدية، فَقَالَ جماعة منْ العلماء، منهم: مالك، والشافعي: هو كمن قَتَل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا، وعذابه فِي الآخرة. وَقَالَ قتادة، وعكرمة، والسُّدِّي، وغيرهم: عذابه أن يُقتَل البتة، ولا يُمَكِّن الحاكم الوليَّ منْ العفو. ورَوَى أبو داود، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أُعْفِي منْ قتل بعد أخذ الدية". وَقَالَ الحسن: عذابه أن يَرُدَّ الديةَ فقط، ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة. وَقَالَ عمر بن عبد العزيز: أمره إلى الإِمام، يصنع فيه ما يرى. وفي سنن الدارقطنيّ، عن أبي شُرَيح الخزاعي، قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "منْ أصيب بدم، أو خَبْل (١) -فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة، فخذوا عَلَى يديه: بين أن يقتص، أو يعفو، أو يأخذ العقل، فإن قبل شيئا منْ ذلك، ثم عدا بعد ذلك، فله النار خالدا فيها مخلدا". انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث أبي داود المذكور ضعيف؛ لأن فِي سنده


(١) الخبل بفتح، فسكون: هو فساد الأعضاء.