للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إليه، وليس فيه ما ادعاه منْ تأخير البيان.

واحتج الطحاوي أيضا بأنهم أجمعوا عَلَى أن الولي لو قَالَ للقاتل: رضيتُ أن تعطيني كذا عَلَى أن لا أقتلك، إن القاتل لا يجبر عَلَى ذلك، ولا يؤخذ منه كُرها، وإن كَانَ يجب عليه أن يَحقِن دم نفسه. وَقَدْ تقدّم البحث بأتمّ منْ هَذَا فِي المسألة السابعة منْ المسائل المذكورة فِي حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قبل باب، فارجع إليه تزدد علما.

(ومنها): ما قاله المهلب وغيره: يستفاد منْ قوله: "فهو بخير النظرين" أن الولي إذا سئل فِي العفو عَلَى مال، إن شاء قَبِل ذلك، وإن شاء اقتص، وعلى الولي اتباع الأَوْلَى فِي ذلك، وليس فيه ما يدل عَلَى إكراه القاتل عَلَى بذل الدية.

(ومنها): أنه استَدَلَّ به الجمهور عَلَى جواز أخذ الدية فِي قتل العمد، ولو كَانَ غِيلَة، وهو أن يَخدَع شخصا حَتَّى يصير به إلى موضع خَفِي فيقتله، خلافا للمالكية، وألحقه مالك بالمحارب، فإن الأمر فيه إلى السلطان، وليس للأولياء العفو عنه، وهذا عَلَى أصله فِي أن حد المحارب القتل، إذا رآه الإِمام، وأن "أو" فِي قوله عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} الآية [المائدة: ٣٣] للتخيير، لا للتنويع.

(ومنها): أن منْ قتل متأوَّلاً كَانَ حكمه حكم منْ قتل خطأ، فِي وجوب الدية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإني عاقله"، ووجه ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما قَالَ هَذَا فيمن قتل منْ خزاعة رجلا منْ بني ليث، وإنما قتله متأولا جواز ذلك، حيث قتل منهم فِي الجاهلية قتيلاً.

(ومنها): أنه استَدَلَّ به بعض المالكية عَلَى قتل منْ التجأ إلى الحرم، بعد أن يَقتُل عمدًا، خلافا لمن قَالَ: لا يُقتل فِي الحرم، بل يُلجأ إلى الخروج منه، ووجه الدلالة أنه -صلى الله عليه وسلم-، قاله فِي قصة قتيل خزاعة، المقتول فِي الحرم. (ومنها): أن القَوَد مشروع فيمن قتل عمدًا, ولا يعارضه ما ذكر منْ حرمة الحرم، فإن المراد به تعظيمه لتحريم ما حرم الله، وإقامةُ الحد عَلَى الجاني به منْ جملة تعظيم حرمات الله (١). وَقَدْ تقدم شيء منْ هَذَا فِي "كتاب الحج"، فِي ١١٠/ ٢٨٧٤ - باب "حرمة مكة"، و-١١١/ ٢٨٧٥ - باب "تحريم القتال فيه". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٤٧٨٨ - (أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا


(١) راجع "الفتح" ١٤/ ١٨٨ - ١٩٥.