(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان مقدار دية شبه العمد، وهو مائة منْ الإبل، منها أربعون حوامل. (ومنها): أن فيه إثبات قتل شبه العمد، قَالَ الخطّابيّ: وَقَدْ زعم بعض أهل العلم أن ليس القتل إلا العمد المحض، أو الخطأ المحض. انتهى، وسيأتي بيان اختلاف العلماء فِي ذلك المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. (ومنها): أن دية شبه العمد مغلّظة عَلَى العاقلة. (ومنها): ما قاله الخطّابيّ رحمه اللَّه تعالى: أنه قد يُستدلّ به عَلَى جواز السلم فِي الحيوان إلى مدّة معلومة، وذلك لأن الإبل عَلَى العاقلة، مضمونة فِي ثلاث سنين. انتهى. (ومنها): أن فيه دلالةً عَلَى أن الحمل فِي الحيوان صفة تُضبط، وتُحصر. قاله الخطابيّ أيضا.
(ومنها): أنه أخذ بظاهر هَذَا الْحَدِيث عطاء، والشافعي، وإليه ذهب محمد بن الحسن، فقالوا: دية شبه العمد أثلاثٌ. وقالى أبو حنيفة، وأبو يوسف، وأحمد، وإسحاق: هي أرباع. وَقَالَ أبو ثور: دية شبه العمد أخماس. (ومنها): أن فيه الردّ عَلَى مالك بن أنس، حيث يقول: ليس فِي كتاب الله عز وجل، إلا الخطأ والعمد، وأما شبه العمد فلا نعرفه، فقد أثبته النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَدِيث الصحيح، فلا كلام بعد ثبوته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف اْهل العلم فِي ثبوت قتل شبه العمد:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عمدٌ، وشبه عمد، وخطأ، رُوي ذلك عن عمر، وعلي، وبه قالى الشعبي، والنخعي، وقتادة، وحماد، وأهل العراق، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي.
وأنكر مالك شبه العمد، وقال: ليس فِي كتاب والله إلا العمد والخطأ، فأما شبه العمد فلا يعمل به عندنا، وجعله منْ قسم العمد، وحكي عنه مثل قول الجماعة، وهو الصواب؛ لحديث عبد والله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما المذكور فِي الباب، فإنه نصّ يقدم عَلَى ما ذكره.
وزاد بعضهم قسما رابعا، وهو ما أجري مُجرى الخطإ، نحو أن ينقلب نائم عَلَى شخص، فيقتله، أو يقع عليه منْ علو، وكالقتل بالسبب، كحفر البئر، ونصب السكين، وقتل غير المكلف، لكن هذه الصُّوَر كلها عند الأكثرين منْ قسم الخطإ، فإن صاحبها لم يتعمد الفعل، أو تعمده ولكنه ليس هو منْ أهل القصد الصحيح، لكونه غير مكلّف، فسموه خطأ، فأعطوه حكمه. أفاده فِي "المغني" ١١/ ٤٤٤ - ٤٤٥.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما ذُكر أن الأصحّ هو ما ذهب إليه الجمهور منْ إثبات شبه العمد؛ لصحّة دليله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.