القتل العمد هو أن يضربه بمحدد، كالسيف، ونحوه، مما يقطع، ويدخل فِي البدن، فهذا لا خلاف بين العلماء فِي كونه عمدا، أو يضربه بغير محدد، لكنه مما يغلب عَلَى الظن قتله به، فهذا عمد أيضًا عند الأكثرين.
وحكمه: أنه يجب به القود، بلا خلاف بين أهل العلم فِي ذلك إذا اجتمع عليه الاْولياء، وكان المقتول حرًّا، مسلما، قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: أجمع العلماء عَلَى أن القود لا يجب إلا بالعمد، ولا نعلم بينهم فِي وجوبه بالقتل العمد، إذا اجتمعت شروطه خلافا، وَقَدْ دلت عليه الآيات، والأخبار بعمومها، فَقَالَ الله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}[الإسراء: ٣٣]، وَقَالَ تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة: ١٧٨]، وَقَالَ تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]: يريد -والله أعلم- أن وجوب القصاص يمنع منْ يريد القتل منه، شفقةً عَلَى نفسه منْ القتل، فتبقى الحياة فيمن أريد قتله، وقيل: إن القاتل تنعقد العداوة بينه وبين قبيلة المقتول، فيريد قتلهم خوفا منهم، ويريدون قتله، وقتل قبيلته، استيفاءً، ففي الاقتصاص منه بحكم الشرع قطع لسبب الهلاك بين القبيلتين. وَقَالَ الله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥]، وَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُقتَل، وإما أن يُفدَى"، متَّفقٌ عليه، وروى أبو شُريح الخزاعي -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رسول والله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أصيب بدم، أو خَبْل، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: فإن أراد الرابعة فخذوا عَلَى يديه، أن يَقتُل، أو يعفو، أو يأخذ الدية"، رواه أبو داود (١)، وفي لفظ:"فمن قُتل له بعد مقالتي قتيل، فأهله بين خِيرتين: أن يأخذوا الدية، أو يقتلوا"، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "العمد قود، إلا أن يعفو ولي المقتول"، وفي لفظ:"منْ قتل عامدا فهو قود"، رواه أبو داود، وفي لفظ رواه ابن ماجه:"منْ قتل عامدا فهو قود، ومن حال بينه وبينه، فعليه لعنة والله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل". راجع "المغني" ١١/ ٤٤٥ - ٤٥٩.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما ذُكر أن أهل العدم مُجمعون على وجوب القصاص فِي القتل العمد، إذا اجتمعت شروطه، وهو أنه إذا كَانَ للمقتول أولياء يستحقّون القصاص أن يجتمعوا عَلَى طلبه، فإن عفا بعضهم سقط كله، وصار ديةً، وأن يكون القتيل حرًّا مسلمًا؛ لهذه النصوص الصحيحة الصريحة فيه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.