الكفّارة، دون الدية؛ للآية المذكورة؛ والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): فِي اختلاف أهل العلم فِي مقدار دية القتل العمد:
قَالَ فِي "المغني": ما ملخّصه: أجمع أهل العلم عَلَى أن دية العمد تجب فِي مال القاتل، لا تحملها العاقلة، وهي تجب حالّة، وبهذا قَالَ مالك، والشافعي، وأحمد. وَقَالَ أبو حنيفة: تجب فِي ثلاثة سنين؛ لأنها دية آدمي فكانت مؤجلة، كدية شبه العمد. وحجة الأولين أن ما وجب بالعمد المحض كَانَ حالا، كالقصاص، وأرش أطرف العبد، ولا يشبه شبه العمد؛ لأن القاتل معذور؛ لكونه لم يقصد القتل، وإنما أفضى إليه منْ غير اختيار منه، فأشبه الخطإ، ولهذا تحمله العاقلة، ولأن القصد التخفيف عَلَى العاقلة الذين لم تصدر منهم جناية، وحُمِّلوا أداء مال مواساة، فالأرفق بحالهم التخفيف عنهم، وهذا موجود فِي الخطأ، وشبه العمد عَلَى السواء، وأما العمد فإنما يحمله الجاني فِي غير حال العذر، فوجب أن يكون ملحقا ببدل سائر المتلفات.
واختلفوا فِي مقدارها، فقيل: إنها أرباع، وبه قَالَ الزهريّ، وربيعة، ومالك، وسليمان بن يسار، وأبو حنيفة، وأحمد، ورُوي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وقيل: إنها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة فِي بطونها أولادها، وبهذا قَالَ عطاء، ومحمد بن الحسن، والشافعي، وروي ذلك عن عمر، وزيد، وأبي موسى، والمغيرة؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قَالَ:"منْ قتل متعمدا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد القتل"، رواه الترمذيّ، وَقَالَ: هو حديث حسن غريب، وعن عبد الله ابن عمرو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"ألا إن فِي قتيل عمد الخطإ، قتيلِ السوط والعصا، مائة منْ الإبل، منها أربعون خلفة، فِي بطونها أولادها"، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وغيرهم، وعن عمرو بن شعيب:"أن رجلا يقال له: قتادة حَذَف ابنه بالسيف فقتله، فأخذ عمر منه الدية ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة" رواه مالك فِي "موطئه".
وحجة الأولين ما روى الزهريّ، عن السائب بن يزيد، قَالَ: كانت الدية عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرباعا: خمسا وعشرين جذعة، وخمسا وعشرين حقة، وخمسا وعشرين بنت لبون، وخمسا وعشرين بنت مخاض"، ولأنه قول ابن مسعود -رضي الله عنه-, ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان، فلا يعتبر فيه الحمل، كالزكاة، والأضحية. أفاده فِي