العمد ثمانمائة، وذلك ثلث الدية المخففة. وعند مالك تُغَلَّظ عَلَى الأب، والأم، والجد دون غيرهم، واحتجا على صفة التغليظ، بما رُوي عن عمر رضي الله عنه، أنه أخذ منْ قتادة المدلجي دية ابنه حين حذفه بالسيف، ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ولم يزد عليه فِي العدد شيئا، وهذه قصة اشتهرت، فلم تُنكَر، فكانت إجماعا، ولأن ما أوجب التغليظ أوجبه فِي الأسنان، دون القدر، كالضمان، ولا يجمع بين تغليظين؛ لأن ما أوجب التغليظ بالضمان إذا اجتمع سببان تداخلا، كالحرم والإحرام فِي قتل الصيد، وعلى أنه لا يغلظ بالإحرام، أن الشرع لم يرد بتغليظه.
واحتج أصحابنا بما رَوَى ابن أبىِ نجيح، أن امرأة وُطِئت فِي الطواف، فقضى عثمان رضي الله عنه فيها بستة آلاف، وألفين تغليظا للحرم، وعن ابن عمر أنه قَالَ: منْ قَتَل فِي الحرم، أو ذا رحم، أو فِي الشهر الحرام، فعليه دية وثلث، وعن ابن عباس: أن رجلا قتل رجلا فِي الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، فَقَالَ: ديته اثنا عشر ألفا، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف، وهذا مما يظهر، وينتشر ولم يُنكر، فيثبت إجماعا، وهذا فيه الجمع بين تغليظات ثلاث، ولأنه قول التابعين القائلين بالتغليظ، واحتجوا عَلَى التغليظ فِي العمد، أنه إذا غُلظ الخطأ مع العذر فيه، ففي العمد مع عدم العذر أولى، وكل منْ غَلَّظ الدية أوجب التغليظ فِي بدل الطرف، بهذه الأسباب؛ لأن ما أوجب تغليظ دية النفس، أوجب تغليظ دية الطرف، كالعمد.
وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ بشيء منْ ذلك، وهو قول الحسن، والشعبي، والنخعي، وأبي حنيفة، والجوزجاني، وابن المنذر، وروي ذلك عن الفقهاء السبعة، وعمر بن عبد العزيز؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"فِي النفس المؤمنة مائة منْ الإبل"، لم يزد عَلَى ذلك، "وعلى أهل الذهب ألف مثقال"، وفي حديث أبي شريح -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هَذَا القتيل منْ هذيل، وأنا والله عاقله، منْ قتل له قتيل بعد ذلك، فأهله بين خِيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية"، وهذا القتل كَانَ بمكة، فِي حرم والله تعالى، فلم يزد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الدية، ولم يفرق بين الحرم وغيره، وقولُ الله عز وجل:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النِّساء: ٩٢]، يقتضي أن الدية واحدة، فِي كل مكان، وفي كل حال، ولأن عمر رضي الله عنه، أخذ منْ قتادة المدلجي دية ابنه، ولم يزد عَلَى مائة، ورَوَى الجوزجاني بإسناده، عن أبي الزناد، أن عمر بن عبد العزيز، كَانَ يجمع الفقهاء، فكان مما أحيى منْ تلك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة، ونظرائهم أن ناسا كانوا يقولون: إن الدية تغلظ فِي الشهر الحرام أربعة آلاف، فتكون ستة عشر ألف درهم،