كما عدل به عن الأصل فِي إلزامه غير الجاني. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): فِي اختلاف أهل العلم فِي وجوب دية الخطإ عَلَى القاتل:
ذهب مالك، والشافعي، وأحمد إلى أنه لا يلزم القاتل شيء منْ الدية. وَقَالَ أبو حنيفة: هو كواحد منْ العاقلة؛ لأنها وجبت عليهم إعانة له، فلا يزيدون عليه فيها.
واحتجّ الأولون بالحديث المتفق عليه منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قضى بدية المرأة عَلَى عاقلتها"، وهذا يقتضي أنه قضى بجميعها عليهم، ولأنه قاتل لم تلزمه الدية، فلم يلزمه بعضها، كما لو أمره الإمام بقتل رجل، فقتله يعتقد أنه بحق، فبان مظلوما، ولأن الكفارة تلزم القاتل فِي ماله، وذلك يعدل قسطه منْ الدية، وأكثر منه، فلا حاجة إلى إيجاب شيء منْ الدية عليه. قاله فِي "المغني" ١٢/ ٢٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الأولون هو الأرجح؛ لظاهر الْحَدِيث المذكور. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية عشرة): فِي اختلاف أهل العلم فِي تغليظ الدية:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ذكر أصحابنا أن الدية تغلظ بثلاثة أشياء، إذا قتل فِي الحرم، والشهور الحرم، وإذا قتل مُحرِما، وَقَدْ نص أحمد رحمه الله عَلَى التغليظ عَلَى منْ قَتل محرما فِي الحرم، وفي الشهر الحرام، فأما إن قتل ذا رحم محرم، فَقَالَ أبو بكر تغلظ ديته، وَقَالَ القاضي: ظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ، وَقَالَ أصحاب الشافعيّ: تغلظ بالحرم، والأشهر الحرم، وذي الرحم المحرم، وفي التغليظ بالإحرام وجهان، وممن رُوي عنه التغليظ: عثمان، وابن عباس، والسعيدان، وعطاء، وطاوس، والشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وقتادة، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وإسحاق.
واختلف القائلون بالتغليظ فِي صفته، فَقَالَ أصحابنا: تغلظ لكل واحد منْ الحرمات ثلث الدية، فإذا اجتمعت الحرمات الثلاث وجبت ديتان، قَالَ أحمد، فِي رواية ابن منصور، فيمن قتل مُحرما فِي الحرم، وفي الشهر الحرام: فعليه أربعة وعشرون ألفا، وهذا قول التابعين القائلين بالتغليظ. وَقَالَ أصحاب الشافعيّ: صفة التغليظ إيجاب دية العمد فِي الخطإ، لا غير، ولا يتصور التغليظ فِي غير الخطإ، ولا يجمع بين تغليظين، وهذا قول مالك، إلا أنه يُغَلِّظ فِي العمد، فإذا قتل ذا رحم محرم عمدا، فعليه ثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وتغليظها فِي الذهب والورق، أن ينظر قيمة أسنان الإبل، غير مغلظة، وقيمتها مغلظة، ثم يحكم بزيادة ما بينهما، كأن قيمتها مخففة ستمائة، وفي