والنسائي، وابن ماجه، ولأن ابن لبون يجب عَلَى طريق البدل، عن ابنة مخاض، فِي الزكاة، إذا لم يجدها، فلا يُجمع البدل والمبدل فِي واجب، ولأن موجبهما واحد، فيصير كأنه أوجب أربعين ابنة مخاض، ولأن ما قَالَ به الأولون هو الأقل، فالزيادة عليه لا تثبت إلا بتوقيف، يجب عَلَى منْ ادعاه الدليل، فأما دية قتيل خيبر فلا حجة لهم فيه؛ لأنهم لم يَدَّعُوا عَلَى أهل خيبر قتله إلا عمدا، فتكون ديته دية العمد، وهي منْ أسنان الصدقة، والخلاف فِي دية الخطإ، وقول أبي ثور يخالف الآثار المروية التي ذكرناها، فلا يعول عليه. قاله فِي "المغني" ١٢/ ١٩ - ٢١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ هو ما ذهب إليه طاوسٌ منْ أنها أرباع: ثلاثون حقّة، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون بنت مخاض، وعشر بني لبون؛ لصحّة حديث عمرو شعيب، عن أبيه، عن جدّه، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى أن منْ قُتل خطأ، فديته منْ الإبل ثلاثون بنت مخاض … " الْحَدِيث. وأما ما احتج به ابن قدامة للحنابلة، ومن قَالَ بقولهم: إنها أخماسٌ، منْ حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، فإنه ضعيف؛ لأن فِي سنده حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، كما سيأتي بيانه فِي الباب الثالث، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: لا خلاف بين أهل العلم فِي أن دية الخطإ عَلَى العاقلة، قَالَ ابن المنذر: أجمع عَلَى هَذَا كل منْ نَحفَظ عنه منْ أهل العلم، وَقَدْ ثبت الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قضى بدية الخطإ عَلَى العاقلة، وأجمع أهل العلم عَلَى القول به، وَقَدْ جعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دية عمد الخطإ عَلَى العاقلة، بما قد رويناه منْ الأحاديث، وفيه تنبيه عَلَى أن العاقلة تحمل دية الخطأ.
والحكمة فِي ذلك أن جنايات الخطإ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فإيجابها عَلَى الجاني فِي ماله يجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها عَلَى العاقلة، عَلَى سبيل المواساة للقاتل، والإعانة له تحفيفا عنه، إذ كَانَ معذورا فِي فعله، وينفرد هو بالكفارة. أفاده فِي "المغني" ١٢/ ٢١. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه آخر]: لا خلاف بينهم فِي أنها مؤجلة فِي ثلاث سنين، فإن عمر، وعليا -رضي الله عنه-، جعلا دية الخطإ عَلَى العاقلة فِي ثلاث سنين، ولا يُعرف لهما فِي الصحابة مخالفٌ، فاتّبعهم عَلَى ذلك أهل العلم، ولأنه مال يجب عَلَى سبيل المواساة، فلم يجب حالا كالزكاة، وكل دية تحملها العاقلة تجب مؤجلة؛ لما ذكرنا، وما لا تحمله العاقلة يجب حالا؛ لأنه بدل مُتلَف، فلزم المتلف حالا كقيم المتلفات، وفارق الذي تحمله العاقلة فإنه يجب مواساة، فألزم التأجيل تخفيفا عَلَى متحمله، وعُدل به عن الأصل فِي التأجيل،