إذا تبيّن لك هَذَا، فاعلم أنهما ثقتان، لا يضرّهما كلام المصنّف هَذَا؛ لمخالفته لأقوال الجمهور، ولاسيما وَقَدْ تابع سليمان محمد بن إسحاق، كما سبق فِي رواية أحمد.
والحاصل أن الْحَدِيث صحيح، وَقَدْ حسنه الشيخ الألباني، والظاهر أنه بسبب الكلام فِي عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، لكن سبق لنا غير مرّة أن هذه الترجمة صحيحة عَلَى الراجح، كما قاله غير واحد منْ المحققين، فالحقّ أن الْحَدِيث صحيح. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٣/ ٤٨٠٣ - وفي "الكبرى" ٣٢/ ٧٠٠٤. وأخرجه (د) فِي "الديات" ٤٥٤١ و٤٥٦٤ (ق) فِي "الديات" ٢٦٣٠ (أحمد) فِي "مسند المكثرين" ٧٠٤٨. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): بيان مقدار دية قتل الخطإ، وهو مائة منْ الإبل، أرباعًا، كما فُصّل فِي الْحَدِيث، وبهذا قَالَ طاوس، وهو أرجح الأقوال فِي المسألة، وأما قول الخطّابيّ: لا أعلم أحدًا قَالَ بهذا الْحَدِيث منْ الفقهاء، فلعله أراد المتأخرين، وإلا فقد ثبت عن طاوس القول به، كما ذكره ابن قدامة فِي "المغني" ١٢/ ٢٠ - فتنبّه، وَقَدْ تقدّم البحث عن اختلاف العلماء فِي ذلك مستوفًى فِي الباب الماضي، فلا تغفُل. (ومنها): أن الأصل فِي الدية الإبل، لكن إذا لم توجد، جاز دفع قيمتها، وهي تتفاوت غلاءً، ورخصة، فأقلها أربعمائة دينار، أو عدلها منْ الورق. (ومنها): أن الدية فِي البقر مائتا بقرة، وفي الشاء ألفا شاة. (ومنها): أن الدية موروث لورثة القتيل، كسائر أمواله التي ملكها فِي حياته، فيكون لأصحاب الفروض، ومنهم الزوجان، ثم إذا فضل منه شيء، فللعصبة. (ومنها): أن العصبة هم الذين يتحمّلون العقل، وأنهم لا يستحقّون الإرث بسبب هَذَا التحمل، بل حالهم بعده كحالهم قبله، يرثون ما يبقى بعد أصحاب الفروض. (ومنها): أن القصاص حقّ للورثة، فإن شاءوا اقتصّوا، وإن شاءوا عفوا، ولا حق لغيرهم منْ الأقارب، كالعصبات، إلا إذا فُقد الورثة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".