رضي الله عنهم. وَقَالَ ابن عبد البرّ: هو قول سعيد بن المسيب، والزهري؛ لما رَوَى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"دية اليهودي والنصراني، مثل دية المسلم"، ولأن الله تعالى ذكر فِي كتابه دية المسلم، فَقَالَ:{فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النِّساء: ٩٢]، وَقَالَ فِي الذمي مثل ذلك، ولم يفرق، فدل عَلَى أن ديتهما واحدة، ولأنه ذَكَرٌ حُرٌّ معصوم، فتكمل ديته كالمسلم.
واحتجّ الأولون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -صلى الله عليه وسلم- المذكور فِي هَذَا الباب، ورواه أحمد بلفظ:"دية المعاهد نصف دية المسلم"، وفي لفظ:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم"، وفي لفظ:"دية المعاهد نصف دية الحر".
قَالَ الخطّابيّ: ليس فِي دية أهل الكتاب شيء أثبت منْ هَذَا، ولا بأس بإسناده، وَقَدْ قَالَ به أحمد، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى.
قَالَ الموفّق: ولأنه نَقْصٌ مؤثر فِي الدية، فأثر فِي تنصيفها كالأنوثة، وأما حديث عبادة، فلم يذكره أهل السنن، والظاهر أنه ليس بصحيح، وأما حديث عمر، فإنما كَانَ ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف، فأوجب فيه نصفها أربعة آلاف، ودليل ذلك ما رَوَى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قَالَ:"كانت قيمة الدية عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانمائة دينار، وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف"، فهذا بيان، وشرح مزيل للإشكال، ففيه جمع للأحاديث، فيكون دليلا لنا، ولو لم يكن كذلك لكان قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مقدما عَلَى قول عمر وغيره، بغير إشكال، فقد كَانَ عمر -رضي الله عنه- إذا بلغه عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سنة، ترك قوله وعمل بها، فكيف يسوغ لأحد أن يحتج بقوله فِي ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما ما احتج به الآخرون, فإن الصحيح منْ حديث عمرو بن شعيب ما رويناه، أخرجه الأئمة فِي كتبهم، دون ما رووه، وأما ما رووه منْ أقوال الصحابة، فقد رُوي عنهم خلافه، فنحمل قولهم فِي إيجاب الدية كاملة عَلَى سبيل التغليظ، قَالَ أحمد: إنما غلظ عثمان الدية عليه؛ لأنه كَانَ عمدا فلما ترك القود، غَلظ عليه، وكذلك حديث معاوية، ومثل هَذَا ما رُوي عن عمر رضي الله عنه، حين انتحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني، فَقَالَ لحاطب: إني أراك تُجيعهم لأُغَرِّمنك غرما يشق عليك، فأغرمه مثلي قيمتها.
قَالَ: فأما ديات نسائهم، فعلى النصف منْ دياتهم، لا نعلم فِي هَذَا خلافا، قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العلم عَلَى أن دية المرأة نصف دية الرجل، ولأنه لما كَانَ دية نساء