للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): فِي أقوال أهل العلم فِي دية المكاتب:

قَالَ فِي "المغني": قَالَ الخطّابيّ: أجمع عوام الفقهاء، عَلَى أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فِي جنايته، والجناية عليه، إلا إبراهيم النخعي، فإنه قَالَ فِي المكاتب يُؤدي بقدر ما أدى منْ كتابته دية الحر، وما بقي دية العبد، ورُوي فِي ذلك شيء عن علي رضي الله عنه، وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي "سننه"، والإمام أحمد فِي "مسنده"، قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا هشام بن أبي عبد الله، قَالَ: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي المكاتب، يُقتل أنه يُودَى (١) ما أدى منْ كتابته دية الحر، وما بقي دية العبد قَالَ الخطّابيّ: وإذا صح الْحَدِيث وجب القول به، إذا لم يكن منسوخًا، أو معارضا بما هو أولى منه. انتهى "المغني" ١٢/ ٥٨ - ٥٩.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد صحّ هَذَا الْحَدِيث، ولم يأت ما يُعارضه، ولا ينسخه، ولا أجمع أهل العلم عَلَى خلافه، فوجب القول به، فالحق ما قاله إبراهيم النخعيّ رحمه الله تعالى؛ لأنه المنصوص عديه فِي هَذَا الْحَدِيث الصحيح، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي دية العبد الذي لم يُكاتب:

قَالَ فِي "المغني": أجمع أهل العلم أن فِي العبد الذي لا تبلغ قيمته دية الحر قِيمَتَهُ، وإن بلغت قيمته ديةَ الحر، أو زادت عديها، فذهب أحمد رحمه الله إلى أن فيه قيمته بالغة ما بلغت، وإن بلغت ديان, عمدا كَانَ القتل، أو خطأ، سواء ضمن باليد، أو بالجناية، وهذا قول سعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وإياس بن معاوية، والزهري، ومكحول، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف.

وَقَالَ النخعي، والشعبي، والثوري، وأبو حنيفة، ومحمد: لا تُبلغ به دية الحر. وَقَالَ أبو حنيفة: يُنقَص عن دية الحر دينارًا، أو عشرة دراهم، القدر الذي يقطع به السارق، وهذا إذا ضمن بالجناية، وإن ضمن باليد بأن يَغصِب عبدا، فيموت فِي يده، فإن قيمته تجب، وإن زادت عَلَى دية الحر.

واحتجوا بأنه ضمان آدمي، فلم يزد عَلَى دية الحر، كضمان الحر، وذلك لأن الله تعالى لَمّا أوجب فِي الحر دية، لا تزيد، وهو أشرف لخلوصه منْ نقيصة الرق، كَانَ تنبيها عَلَى دية العبد المنقوص، لا يزاد عليها، فنجعل مالية العبد مِعْيَارًا للقدر الواجب


(١) قوله: "يودى" بالبناء للمفعول: أي يُعطَى الدية.