للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رقبة، وأصل الغرة بياض فِي الوجه، ولهذا قَالَ أبو عَمرو -يعني ابن العلاء-: المراد بالغرة الأبيض منهما خاصة، قَالَ: ولا يجزي الأسود، قَالَ: ولولا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد بالغرة معنى زائدا، عَلَى شخص العبد والأمة، لَمَا ذَكَرها، ولاقتصر عَلَى قوله: "عبد، أو أمة"، هَذَا قول أبي عمرو، وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء: أنه تجزي فيها السوداء، ولا تتعين البيضاء، وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب، قَالَ أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء، وأُطلقت هنا عَلَى الإنسان؛ لأن الله تعالى خلقه فِي أحسن تقويم.

وأما ما جاء فِي بعض الروايات، فِي غير "الصحيح": "بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل"، فرواية باطلة، وَقَدْ أخذ بها بعض السلف، وحكى عن طاوس، وعطاء، ومجاهد: أنها عبد، أو أمة، أو فرس. وَقَالَ داود: كل ما وقع عليه اسم الغرة يُجزى. انتهى "شرح مسلم" للنووي ١١/ ١٧٦.

وَقَالَ فِي "الفتح": قَالَ الإسماعيلي: قرأه العامة بالإضافة، وغيرهم بالتنوين، وحكى القاضي عياض الخلاف، وَقَالَ: التنوين أوجه؛ لأنه بيان للغرة ما هي؟ وتوجيه الآخر أن الشيء قد يضاف إلى نفسه، لكنه نادر. وَقَالَ الباجي: يحتمل أن تكون "أو" شكا منْ الراوي فِي تلك الواقعة المخصوصة، ويحتمل أن تكون للتنويع، وهو الأظهر، وقيل المرفوع منْ الْحَدِيث قوله: "بغرة"، وأما قوله: "عبد، أو أمة" فشك منْ الراوي فِي المراد بها، قَالَ: وَقَالَ مالك: الحمرانُ أولى منْ السودان فِي هَذَا، وعن أبي عمرو ابن العلاء قَالَ: الغرة عبد أبيض، أو أمة بيضاء، قَالَ: فلا يجزي فِي دية الجنين سوداء، إذ لو لم يكن فِي الغرة معنى زائد، لَمَا ذكرها، ولقال: عبد، أو أمة، ويقال: إنه انفرد بذلك، وسائر الفقهاء عَلَى الإجزاء، فيما لو أخرج سوداء، وأجابوا بأن المعنى الزائد كونه نفيسا، فلذلك فسره بعبد أو أمة؛ لأن الآدمي أشرف الحيوان، وعلى هَذَا فالذي وقع فِي رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، منْ زيادة ذكر الفرس فِي هَذَا الْحَدِيث وهم، ولفظه: "غرة: عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل"، ويمكن إن كَانَ محفوظا أن الفرس هي الأصل فِي الغرة، كما تقدم. انتهى "فتح" ١٤/ ٢٤٤.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور منْ إجزاء العبد الأسود هو الحقّ؛ لأن المراد بالغرّة هو الشيء النفيس. والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ) قَالَ النوويّ: قَالَ العلماء: هَذَا الكلام قد يوهم خلاف مراده، فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجْنِيّ عليها، أمُّ الجنين، لا الجانية، وَقَدْ صرح به فِي الْحَدِيث بعده بقوله: "فقتلتها، وما فِي بطنها"، فيكون