للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: اقتتلت امرأتان منْ هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما فِي بطنها، فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة عَلَى عاقلتها، وورَّثها ولدها، ومن معهم"، متَّفقٌ عليه. والغرة: عبد، أو أمة، سُميا بذلك لأنهما منْ أنفس الأموال، والأصل فِي الغرة الخيار.

[فإن قيل]: فقد رُوي فِي هَذَا الخبر: "أو فرس، أو بغل"؟.

[قلنا]: هَذَا لا يثبت، رواه عيسى بن يونس، ووَهِمَ فيه، قاله أهل النقل، والحديث الصحيح المتفق عليه إنما فيه عبد أو أمة.

قَالَ: وإنما تجب الغرّة، إذا سقط منْ الضربة، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب، أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط، ولو قتل حاملاً لم يسقط جنينها، أو ضَرَب مَن فِي جوفها حركة، أو انتفاخ، فسَكَّنَ الحركةَ، وأذهبهالم يضمن الجنين، وبهذا قَالَ مالك، وقتادة، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر.

وحُكي عن الزهريّ أن عليه الغرةَ؛ لأن الظاهر أنه قتل الجنين، فلزمته الغرة، كما لو أسقطت.

وحجة الأولين أنه لا يثبت حكم الولد، إلا بخروجه، ولذلك لا تصح له وصية، ولا ميراث، ولأن الحركة يجوز أن تكون لريح فِي البطن سكنت، ولا يجب الضمان بالشك، فأما إذا ألقته ميتا، فقد تحقق، والظاهر تلفه منْ الضربة، فيجب ضمانه، سواء ألقته فِي حياتها، أو بعد موتها، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وأحمد؛ لأنه جنين تَلِف بجنايته، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه، كما لو سقط فِي حياتها، ولأنه لو سقط حيا ضمنه، فكذلك إذا سقط ميتا، كما لو أسقطته فِي حياتها.

وَقَالَ مالك، وأبو حنيفة: إن ألقته بعد موتها لم يضمنه؛ لأنه يجري مجرى أعضائها، وبموتها سقط حكم أعضائها.

وتُعُقّب بأن هَذَا ليس بصحيح؛ لأنه لو كَانَ كذلك، لكان إذا سقط ميتا ثم ماتت، لم يضمنه كأعضائها، ولأنه آدمي موروث فلا يدخل فِي ضمان أمه، كما لو خرج حيا.

فأما إن ظهر بعضه منْ بطن أمه، ولم يخرج باقيه ففيه الغرة، وبه قَالَ الشافعيّ، وأحمد، لأنه قاتل لجنينها، فلزمته الغرة، كما لو ظهر جميعه، ويفارق ما لو لم يظهر منه شيء؛ لأنه لم يتيقن قتله، ولا وجوده.

وَقَالَ مالك، وابن المنذر: لا تجب الغرة حَتَّى تلقيه؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما أوجب الغرة فِي الجنين الذي ألقته المرأة، وهذه لم تلق شيئا، فأشبه ما لو لم يظهر منه شيء. انتهى "المغني" بتصرف، واختصار ١٢/ ٦٠ - ٦٣. والله تعالى أعلم