فيجب فيه كمال دية الكبير، فإن كَانَ ذكرا وجب مائة بعير، وإن كَانَ أنثى فخمسون، وهذا مجمع عليه، وسواء فِي هَذَا كله العمد والخطأ، ومتى وجبت الغرة فهي عَلَى العاقلة، لا عَلَى الجاني، هَذَا مذهب الشافعيّ، وأبي حنيفة، وسائر الكوفيين، رضي الله عنهم، وَقَالَ مالك، والبصريون: تجب عَلَى الجاني.
وَقَالَ الشافعيّ، وآخرون: يلزم الجاني الكفارة، وَقَالَ بعضهم: لا كفارة عليه، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، رضي الله عنهما. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ فِي "شرح مسلم" ١١/ ١٧٦ - ١٧٧.
(ومنها): ما استنبطه الجمهور منْ قوله: "غرّة" أن أقل ما يجزي منْ العبد، أو الأمة ما سلم منْ العيوب، التي يثبت بها الرد فِي البيع؛ لأن المعيب ليس منْ الخيار. (ومنها): أنه استنبط الشافعيّ منه أن يكون منتفعا به، فشرط أن لا ينقص عن سبع سنين؛ لأن منْ لم يبلغها لا يستقل غالبا بنفسه، فيحتاج الى التعهد بالتربية، فلا يجبر المستحق عَلَى أخذه. (ومنها): أن بعضهم أخذ منْ لفظ الغلام أن لا يزيد عَلَى خمس عشرة، ولا تزيد الجارية عَلَى عشرين، ومنهم منْ جعل الحد ما بين السبع والعشرين، والراجح كما قَالَ ابن دقيق العيد أنه يجزيء، ولو بلغ الستين وأكثر منها، ما لم يصل إلى عدم الاستقلال بالهرم. (ومنها): أنه استُدِلَّ به عَلَى عدم وجوب القصاص فِي القتل بالمثقل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر فيه بالقود، وانما أمر بالدية.
وأجاب منْ قَالَ به بأن عمود الفسطاط، يختلف بالكبر والصغر، بحيث يقتل بعضه غالبا، ولا يقتل بعضه غالبا، وطرد المماثلة فِي القصاص، إنما يشرع فيما إذا وقعت الجناية بما يقتل غالبا، وفي هَذَا الجواب نظر، فان الذي يظهر أنه انما لم يوجب فيه القود؛ لأنها لم يقصد مثلها، وشرط القود العمد، وهذا انما هو شبه العمد، فلا حجة فيه للقتل بالمثقل، ولا عكسه. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٢٤٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي دية الجنين:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله أن قول أكثر أهل العلم: إن فِي جنين الحرة المسلمة غُرّةً، وممن رُوي ذلك عنه: عمر بن الخطاب، وعطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وَقَدْ ثبت أنّ عمر رضي الله عنه، أنه استشار النَّاس فِي إملاص المرأة، فَقَالَ المغيرة بن شعبة: شهدت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قضى فيه بغرة عبد، أو أمة، قَالَ: لتأتينّ بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة". متّفقٌ عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه،