للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عصبة القاتلة".

وَقَدْ احتجّ بظاهر الْحَدِيث منْ رأى أنه لا يُستقاد ممن قتل بمثقّل، وإنما عليه الدية، وهم الحنفية، ولا حجة لهم فِي ذلك؛ لما تقدّم منْ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدّم فِي حديث اليهوديّ، ولقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، والمماثلة بالمثقّل ممكنة، ولإمكان كون هَذَا القتل خطأ، أو شبه العمد، فاندفع القصاص بذلك، ولو سُلّم أنه كَانَ عمدًا لكان ذلك برضا العصبة، وأولياء الدم، لا بالحكم، وكلّ ذلك محتملُ، فلا حجة لهم فيه.

وفيه ما يدلّ عَلَى أن العاقلة تحمل الدية، وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى أنها تحمل دية الخطإ، وما زاد عَلَى الثلث، واختلفوا فِي الثلث، فَقَالَ الزهريّ: الثلث، فدونه هو فِي مال الجاني، ولا تحمله العاقلة. وَقَالَ سعيد بن المسيب: الثلث فما زاد عَلَى العاقلة، وما دون الثلث فِي مال الجاني، وبه قَالَ مالك، وعطاء، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وأما ما دون الثلث فلا تحمله العاقلة عند منْ ذُكر، ولا عند أحمد. وقالت طائفة: عقل الخطإ عَلَى عاقلة الجاني، قلّت الجناية، أو كثرت، وهو قول الشافعيّ.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى، منْ تحمل العاقلة عقل الخطإ مطلقًا هو الأرجح عندي؛ لإطلاق النصوص الواردة فِي ذلك. والله تعالى أعلم.

قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: [فإن قيل]: كيف ألزم العاقلة الدية، والقتل عمدٌ، والعاقلة لا تعقل عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا؟.

[فالجواب]: أن هَذَا الْحَدِيث خرّجه النسائيّ ١١/ ٤٧٤١ - منْ حديث حمل بن مالك -رضي الله عنه-، وَقَالَ فيه: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي جنينها بغرّة، وأن تُقتل بها"، وهو طريقٌ صحيح، وهذا نص فِي أنه قضى بالقصاص منْ القاتلة، بخلاف الأحاديث المتقدّمة، فإن فيها: أنه قضى عَلَى العاقلة بالدية.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فِي تصحيحه الْحَدِيث عَلَى الإطلاق، نظر، فإن هذه الزيادة، وهي قوله: "وأن تُقتل المرأة" غير صحيحة، كما سبق بيان ذلك فِي ١١/ ٤٧٤١ وسيأتي أيضا فِي الباب التالي، إن شاء الله تعالى.

ووجه التلفيق، وبه يحصل الجواب عَلَى التحقيق: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بقتل القاتلة أوّلاً، ثم إن العصبة، والألياء اصطلحوا، عن أن التزم العصبة الدية، ويعفو الألياء، فقضى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالدية على العصبة، لَمّا التزموها. والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" ٥/ ٦٥ - ٦٧.