وَقَالَ أبو عبد الله القرطبيّ فِي "تفسيره": وحكى أبو عبيد، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه: الشعب أكبر منْ القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وقيل: الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، ثم العَشِيرة، وَقَدْ نظمها بعض الأدباء، فَقَالَ [منْ الخفيف]:
اقْصِدِ الشَّعْبَ فَهْوَ أَكْثَرُ حَيٍّ … عَدَدًا فِي الْحِوَاءِ ثُمَّ الْقَبِيلَهْ
ثُمَّ تَتْلُوهَا الْعِمَارَةُ ثُمَّ الـ … ـبَطنُ وَالْفَخْذُ بَعْدَهَا وَالْفَصِيلَهْ
ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا العَشِيرَةُ لَكِنْ … هِيَ فِي جَنْبِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَلِيلَهْ
وَقَالَ آخر [منْ البسيط]:
قَبِيلَةٌ قَبْلَهَا شَعْبٌ وَبَعْدَهُمَا … عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ تِلْوُهُ فَخِذُ
وَلَيْسَ يُؤْوِي الْفَتَى إِلَّا فَصِيلَتُهُ … وَلَا سَدَادَ لِسَهْمٍ مَالَهُ قُذَذَ (١)
انتهى "الجامع لأحكام القرآن" فِي تفسير "سورة الحجُرات" ١٦/ ٣٤٥.
وقوله: (عُقُولَهُ) بالنصب مفعول "كتب"، والهاء ضمير البطن، والعُقُول -بضم العين المهملة-: الديات، واحدها عَقْل -بفتح، فسكون، كفلس وفُلوس، ومعناه: أن الدية فِي قتل الخطإ، وعمد الخطإ، وهو شبه العمد، تجب عَلَى العاقلة، وهم العصبات، سواء الآباء، والأبناء، وإن علوا، أو سفلوا. أفاده النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرح صحيح مسلم" ١٠/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
[تنبيه]: قوله "عقوله" هكذا وقع فِي النسخة "الهنديّة" بإضافة "عقول" إلى الضمير الراجع إلى "بطن"، وهو الموافق لما فِي "صحيح مسلم"، كما أسلفت ما قاله النوويّ فِي "شرحه"، ووقع فِي النسخ المطبوعة، وكذا فِي "الكبرى" بلفظ: "عُقُولَةً" آخره تاء تأنيث، وليس ضميرًا، والظاهر أنه تصحيف، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا هاجر إلى المدينة، واستقرّ أمره فيها، آخى بين المهاجرين والأنصار، وصالح منْ كَانَ فيها منْ اليهود، وميّز القبائل، بعضها منْ بعض، وضمّ البطون بعضها إلى بعض فيما ينوبهم منْ الحقوق، والغرامات، وكان بينهم دماء، ودياتٌ بسبب الحروب العظيمة التي كانت بينهم قبل الإسلام، فرفع تعالى كلَّ ذلك عنهم، وألّف بين قلوبهم ببركة الإسلام، وبركة
(١) بضم القاف، وفتح الذال: جمع قُذّة: وهي ريش السهم.