للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حَتَّى صاروا كما قَالَ الله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} الآية [آل عمران: ١٠٣] انتهى "المفهم" ٤/ ٣٤٠.

(وَلَا يَحِلُّ) بكسر الحاء المهملة، مضارع حلّ، منْ باب ضرب: ضدُّ حرُم (لِمَوْلًى) أي لمعتَق بفتح التاء؛ إذ المولى يُطلق عَلَى المعتِق بكسر التاء أيضًا، وليس مرادًا هنا (أَن يَتَوَلَّى مُسْلِمًا) أي يُنسب إلى غير معتقه، وفي رواية مسلم: "ولا يحلّ أن يتوالى مولى رجل مسلمٌ" برفع "مسلم" عَلَى أنه فاعل يتولى، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هَذَا يقتضي تحريم أن ينسُب أحدٌ مولى رجل لنفسه، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (١) يقتضي تحريم نسبة المولى لغير مُعتقه، وكلاهما محرّم هنا، كما هو محرّم فِي النسب، وَقَدْ سوّى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينهما فِي الردع، والوعيد، فَقَالَ: "منْ ادّعَى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فالجنّة عليه حرام". انتهى "المفهم" ٤/ ٣٤٠. (بغَيْرِ إِذْنِهِ) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني بغير إذن السادة، ودليل خطابه يدلّ علىَ أن السيّد إذا أذِن فِي ذلك جاز، كما قد ذهب إليه بعض النَّاس، وليس بصحيح، والجمهور عَلَى منع ذلك، وإن أذن السيّد؛ لأن السيّد إذا أذن فِي ذلك بعوض، فهو المبايعة للولاء المنهيّ عنها، أو ما فِي معناه، وإن كَانَ بغير عوض، فهي هبة الولاء، وما معناها، ولا يجوز واحد منهما، وإنما جرى ذكر الإذن فيه؛ لأن أكثر ما يقع منْ ذلك، إنما يكون بغير إذن السادة، فلا دليل خطاب لمثل هَذَا اللفظ، وَقَدْ بيّنا فِي أصول الفقه أن ما يدُلّ عَلَى جهة النطق مُرجّحٌ عَلَى ما يدلّ عَلَى جهة المفهوم. انتهى "المفهم" ٤/ ٣٤١.

وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: ما معناه: قد احتجّ قوم بقوله: "بغير إذنه" عَلَى جواز التولّي بإذن مواليه، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز، وإن أذنوا، كما لا يجوز الانتساب إلى غير أبيه، وإن أذن أبوه فيه، وحملوا التقييد فِي الْحَدِيث عَلَى الغالب؛ لأن غالب ما يقع هَذَا بغير إذن الموالي، فلا يكون له مفهوم يُعمل به، ونظيره قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} الآية [النِّساء: ٢٣]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الآية [الأنعام: ١٥١] وغير ذلك منْ الآيات التي قُيد فيها للغالب، وليس لها مفهوم يُعمل به. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٣٨٩. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) هو ما أخرجه مسلم فِي "صحيحه" -١٥٠٨ - منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "منْ تولّى قومًا بغير إذ مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يُقبَل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدل".