"عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-"، وأحمد قَالَ:"عن أبي هريرة، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وقوله:"ولا يسرق الخ": تقدّم أن فاعله ليس ضمير "الزاني"، وإنما هو محذوفٌ: أي لا يسرق السارق، وهكذا قوله:"ولا يشرب الخمر": أي لا يشرب الشارب.
وقوله:"والتوبة معروضة بعدُ": أي الرجوع إلى الله تعالى بعد هذه الجرائم مهيّأةٌ، وميسّرة لمن أرادها، يقال: عرض لك الخير منْ باب ضرب: إذا أمكنك أن تفعله، كما فِي "المصباح". يعني أن منْ تاب إلى الله سبحانه وتعالى بشروط التوبة، بعد أن يرتكب شيئا منْ هذه الذنوب، فإن الله تعالى يقبله، كما أخبر تعالى بقوله عز وجل:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[الشورى: ٢٥]، وَقَالَ عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)} [الزمر: ٥٣].
وشروط التوية: هي الإقلاع عن المعصية، والندم عَلَى فعلها، والعزم أن لا يعود إليها، وإن كانت منْ حقوق العباد، ردها إليهم، أو استحلّهم منها.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: هَذَا منه -صلى الله عليه وسلم- إرشاد لمن وقع فِي كبيرة، أو كبائر إلى الطريق التي بها يتخلّص، وهي التوبة، ومعنى كونها معروضةً: أي عرضَها الله تعالى عَلَى العباد، حيث أمرهم بها،، وأوجبها عليهم، وأخبر عن نفسه أنه تعالى يقبلها، كلُّ ذلك فضلٌ منْ الله تعالى، ولُطفٌ بالعبد، لَمَّا علم الله تعالى منْ ضعفه عن مقاومة الحوامل عَلَى المخالفات التي هي النفس، والهوى، والشيطان الإنسيّ، والجنّيّ، فلما علم الله تعالى أنه يقع فِي المخالفات، رحمه بأن أرشده إلى التوبة، فعرضها عليه، وأوجبها، وأخبر بقبولها، وأيضًا فإنه يجب عَلَى النصحاء أن يَعرِضوها عَلَى أهل المعاصي، ويُعرّفونهم بها، ويوجبونها عليهم، وبعقوبة الله تعالى لمن تركها، وذلك كله لُطْفٌ متّصلٌ إلى طلوع الشمس منْ مغربها، أو إلى أن يُغرغر العبد.
وقوله:"بَعدُ" ظرف مبنيّ عَلَى الضمّ؛ لقطعه عن الإضافة لفظًا، وإرادة المصاف إليه ضمنًا، ويُقابلها "قبلُ"، كما قَالَ الله تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} الآية [الروم: ٤]. انتهى "المفهم" ١/ ٢٤٨.
وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: وَقَدْ أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على قبول التوبة، ما لم يغرغر، كما جاء فِي الْحَدِيث، وللتوبة ثلاثة أركان: أن يُقلع عن المعصية، ويندم عَلَى فعلها، ويعزم أن لا يعود إليها، فإن تاب منْ ذنب، ثم عاد إليه لم تبطل توبته، وإن تاب منْ ذنب، وهو متلبّسٌ بآخر، صحّت توبته، هَذَا مذهب أهل