لاستمر بعد الحد، كما لا يسقط التغريب بالجلد، وأيضا فنصيب غير المعين منْ ذلك يسير جدا. والله أعلم.
وَقَالَ النوويّ فِي "الأذكار": وأما الدعاء عَلَى إنسان بعينه، ممن اتصف بشيء منْ المعاصي، فظاهر الْحَدِيث أنه لا يحرم، وأشار الغزالي إلى تحريمه، وَقَالَ فِي "باب الدعاء عَلَى الظلمة"، بعد أن أورد أحاديث صحيحة فِي الجواز، قَالَ الغزالي: وفي معنى اللعن الدعاء عَلَى الإنسان بالسوء، حَتَّى عَلَى الظالم، مثل "لا أصح الله جسمه"، وكل ذلك مذموم. انتهى. قَالَ الحافظ: والأولى حمل كلام الغزالي عَلَى الأول، وأما الأحاديث، فتدل عَلَى الجواز كما ذكره النوويّ، فِي قوله -صلى الله عليه وسلم- للذي قَالَ:"كل بيمينك"، فَقَالَ: لا أستطيع، فَقَالَ:"لا استطعت"، فيه: دليل عَلَى جواز الدعاء عَلَى منْ خالف الحكم الشرعي، ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد، والمنع بعد إقامته، وصنيع البخاريّ يقتضي لعن المتصف بذلك، منْ غير أن يعين باسمه، فيجمع بين المصلحتين؛ لأن لعن المعين، والدعاء عليه، قد يحمله عَلَى التمادي، أو يُقَنِّطه منْ قبول التوبة، بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف، فإن فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك، وباعثا لفاعله عَلَى الإقلاع عنه، ويقويه النهي عن التثريب عَلَى الأمة، إذا جُلِدت عَلَى الزنا.
واحتج الامام البلقيني عَلَى جواز لعن المعين بالحديث الوارد فِي المرأة، إذا دعاها زوجها إلى فراشه، فأبت لعنتها الملائكة حَتَّى تصبح، وهو فِي "الصحيح"، وَقَدْ توقف فيه بعضهم بأن اللاعن لها الملائكة، فيتوقف الاستدلال به عَلَى جواز التأسي بهم، وعلى التسليم فليس فِي الخبر تسميتها، قَالَ الحافظ: ما قاله البلقينيّ أقوى، فأن الملك معصوم، والتأسي بالمعصوم مشروع، والبحث فِي جواز لعن المعين، وهو الموجود. انتهى. "فتح" ١٤/ ٢٤ - ٢٥.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن قول منْ أجاز لعن غير المعيّن، ومنع لعن المعيّن هو الأقرب، وبه تجتمع الأدلّة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".