للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلا على عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ اسمه عبد الله، وكان يُلَقّب حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قد جلده فِي الشراب، فأُتي به يوما، فأَمر به، فَجُلد، فَقَالَ رجل منْ القوم: اللَّهم العنه، ما أكثر ما يُؤتَى به؟، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ، إنه يحب الله ورسوله" (١).

وأخرج منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قَالَ: أُتي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بسكران، فأَمر بضربه، فمنا منْ يضربه بيده، ومنا منْ يضربه بنعله، ومنا منْ يضربه بثوبه، فلما انصرف قَالَ رجل: ما له أخزاه الله؟ فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تكونوا عون الشيطان عَلَى أخيكم" (٢).

قَالَ فِي "الفتح": قوله: "باب ما يكره منْ لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج منْ الملة"، يشير إلى طريق الجمع بين ما تضمنه حديث الباب منْ النهي عن لعنه، وما تضمنه حديث الباب الأول: "لا يشرب الخمر، وهو مؤمن"، وأن المراد به نفي كمال الإيمان، لا أنه يخرج عن الإيمان جملة، وعَبّر بالكراهه هنا إشارة، إلى أن النهي للتنزيه، فِي حق منْ يستحق اللعن، إذا قصد به اللاعن محض السبّ، لا إذا قصد معناه الأصلي، وهو الابعاد عن رحمة الله، فأما إذا قصده، فيحرم، ولاسيما فِي حق منْ لا يستحق اللعن، كهذا الذي يحب الله ورسوله، ولاسيما مع إقامة الحد عليه، بل يندب الدعاء له بالتوبة والمعفرة، وبسبب هَذَا التفصيل عدل عن قوله، فِي الترجمة: كراهية لعن شارب الخمر إلى قوله: "ما يكره منْ"، فأشار بذلك إلى التفصيل، وعلى هَذَا التقرير، فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعين مطلقا، وقيل: إن المنع خاص بما يقع فِي حضرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لئلا يتوهم الشارب عند عدم الإنكار أنه مستحق لذلك، فربما أوقع الشيطان فِي قلبه ما يتمكن به منْ فتنه، وإلى ذلك الإشارة بقوله، فِي حديث أبي هريرة: "لا تكونوا عون الشيطان عَلَى أخيكم"، وقيل: المنع مطلقا فِي حق منْ أقيم عليه الحد؛ لأن الحد قد كفر عنه الذنب المذكور، وقيل: المنع مطلقا فِي حق ذي الزلة، والجواز مطلقا فِي حق المجاهرين، وصوب ابن المنير أن المنع مطلقا فِي حق المعين، والجواز فِي حق غير المعين؛ لأنه فِي حق غير المعين زجرٌ عن تعاطي ذلك الفعل، وفي حق المعين أَذّى له، وسب وَقَدْ ثبت النهي عن أذى المسلم، واحتج منْ أجاز لعن المعين، بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إنما لعن منْ يستحق اللعن، فيستوي المعين وغيره.

وتعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الإبهام، ولو كَانَ لعنه قبل الحد جائزا،


(١) حديث رقم ٦٧٨١.
(٢) حديث رقم ٦٧٨١.