استطعتم" (١)، وأمرنا بالستر عَلَى المسلمين، فكره أن يهتكه، وهو يجد السبيل إلى ستره، فلما تبيّن وجود السرقة منه يقينًا، أقام الحدّ عليه، وأمر بقطعه.
عَلَى أن فِي إسناد هَذَا الْحَدِيث مقالاً، والحديث إذا رواه رجلٌ مجهولٌ لم يكن حجةً، ولم يجب الحكم به.
وَقَدْ رُوي تلقين السارق عن جماعة منْ الصحابة -رضي الله عنهم-، وأُتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- برجل، فسأله: أسرقت؟ قل: لا، قَالَ: فَقَالَ: لا، فتركه، ولم يقطعه، ورُوي مثل ذلك عن أبي الدرداء، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، وكان أحمد، وإسحاق لا يريان بأسًا بتلقين السارق، إذا أُتي به، وكذلك قَالَ أبو ثور: إذا كَانَ السارق امرأةً، أو مصعوقًا. انتهى "معالم السنن" ٦/ ٢١٦ - ٢١٧.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث الباب لا يصحّ، فلا يستفاد منه الحكم المذكور، وما روي عن الصحابة، عَلَى تقدير صحّته لا حجة فيه. فتأمّل.
(قَالَ: بَلَى) أي سرقتُ، زاد فِي رواية أبي داود: "فأعاد عليه مرّتين، أو ثلاثًا" (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (اذْهَبُوا بِهِ، فَاقْطَعُوهُ) أي لثبوت سرقته بإقراره (ثُمَّ جِيئُوا بِهِ) أي ليأمره بالاستغفار (فَقَطَعُوهُ) أي قطعوا يده (ثُمَّ جَاءُوا بِهِ) إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (لَهُ: "قُلْ: أَسْتَغفِرُ اللَّهَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ) قَالَ السنديّ: لعل المراد بالاستغفار، والتوبة منْ سائر الذنوب، أو لعله قَالَ ذلك ليعزم عَلَى عدم العود إلى مثله، فلا دليل لمن قَالَ: الحدود ليست كفّارات لأهلها، مع ثبوت كونها كفّارات بالأحاديث الصحاح التي كادت تبلغ حدّ التواتر، كيف والاستغفار مما أُمر به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} الآية [غافر: ٥٥]، وَقَدْ قَالَ تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [التوبة: ١١٧]، لمعان ومصالح ذكروا فِي محله، فمثله لا يصلح دليلا عَلَى بقاء ذنب السرقة. والله تعالى أعلم. انتهى. (فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أي أطلب منه تعالى ستر معصيتي (وَأَتُوبُ إِلَيهِ) أي أرجع إليه سبحانه وتعالى عما فعلته، وذلك بأن لا يعود إلى مثله أبدًا (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ) أي تقبّل توبته، أو ثبّته عليها.
قَالَ الشوكانيّ رحمه الله تعالى: فيه دليلٌ عَلَى مشروعية أمر المحدود بالاستغفار، والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره، قَالَ: وفيه دليل عَلَى أنه يُسحبّ تلقين ما يُسقط الحدّ. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا كله عَلَى تقدير صحة الْحَدِيث، وإلا فهو
(١) حديث ضعيف، انظر "ضعيف الجامع الصغير" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ص ٣٧ - ٣٠٨.