"الموطإ" عن ربيعة، عن الزبير، وهو منقطع مع وقفه، وهو عند ابن أبي شيبة، بسند حسن، عن الزبير موقوفا، وبسند آخر حسن، عن عليّ نحوه كذلك، وبسند صحيح عن عكرمة أن ابن عباس، وعمارا، والزبير، أخذوا سارقا، فخَلَّوا سبيله، فقلت لابن عباس: بئسما صنعتم، حين خليتم سبيله، فَقَالَ: لا أُمَّ لك، أما لو كنت أنت لسرك أن يُخَلَّى سبيلُك، وأخرجه الدارقطنيّ، منْ حديث الزبير موصولا مرفوعا، بلفظ:"اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل الوالي فعفا، فلا عفا الله عنه". والموقوف هو المعتمد.
وفي الباب غيرُ ذلك، حديث صفوان بن أمية، عند أحمد، وأبي داود، والنسائي -يعني حديث الباب- وابن ماجه، والحاكم، فِي قصة الذي سرق رداؤه، ثم أراد أن لا يُقطع، فَقَالَ له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "هل لا قبل أن تأتيني به"، وحديث ابن مسعود، فِي قصة الذي سَرَق، فأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقطعه، فرأوا منه أَسَفًا عليه، فقالوا: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه؟ فَقَالَ:"وما يمنعني، لا تكونوا أعوانا للشيطان عَلَى أخيكم، إنه ينبغي للإمام إذا أُنهي إليه حدٌّ أن يقيمه، والله عَفُوٌّ يحب العفو". وفي الْحَدِيث قصة مرفوعة، وأُخرج موقوفًا، أخرجه أحمد، وصححه الحاكم.
وحديث عائشة مرفوعا:"أقيلوا ذوي الهيآت زلاتهم، إلا فِي الحدود"، أخرجه أبو داود (١)، ويستفاد منه جواز الشفاعة فيما يَقتضي التعزير، وَقَدْ نقل ابن عبد البرّ، وغيره فيه الاتفاق، ويدخل فيه سائر الأحاديث الواردة فِي ندب الستر عَلَى المسلم، وهي محمولة عَلَى ما لم يبلغ الإمام. انتهى ما فِي "الفتح" ١٤/ ٣٩.
(ومنها): ما قاله أيضًا: فِي هَذَا دليل، عَلَى أن لصاحب السرقة فِي ذلك، ما ليس للسلطان، وذلك ما لم يبلغ السلطان، فإذا بلغ السارق إلى السلطان، لم يكن للمسروق منه شيء منْ حكمه، فِي عفو، ولا غيره، لأنه لا يتبعه بما سرق منه إذا وهبه له، ألا ترى أنهم قد أجمعوا عَلَى أن السارق لو أقر بسرقة، عند الإمام يجب فِي مثلها القطع، سرقها منْ رجل غائب، أنه يقطع، وإن لم يحضر رب السرقة، ولو كَانَ لرب السرقة فِي ذلك مقال، لم يقطع حَتَّى يحضر، فيُعرَف ما عنده فيه. انتهى "التمهيد" ١١/ ٢٢٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي عفو المالك عن السارق:
قَالَ الموفق رحمه الله تعالى: إذا ملك العين المسروقة، بهبة، أو بيع، أو غيرهما،
(١) حديث صحيح أخرجه أحمد، وأبو داود منْ حديث عائشة -رضي الله عنها-.