للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة السادسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اشتراط الحرز فِي وجوب قطع السارق:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن منْ شروط قطع السارق أن يسرق منْ حرز، ويخرجه منه، وهو مذهب عطاء، والشعبي، وأبي الأسود الدؤلي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وعمرو بن دينار، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن أحد منْ أهل العلم خلافهم، إلا قولاً حُكي عن عائشة، والحسن، والنخعي، فيمن جمع المتاع، ولم يَخرُج به منْ الحرز عليه القطع، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وحُكي عن داود، أنه لا يعتبر الحرز؛ لأن الآية لا تفصيل فيها، وهذه أقوال شاذة، غير ثابتة عمن نقلت عنه، قَالَ ابن المنذر: وليس فيه خبر ثابت، ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه، فهو كالإجماع، والإجماع حجة عَلَى منْ خالفه، ورَوَى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلا منْ مُزينة، سأل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الثمار؟ فَقَالَ: "ما أُخذ فِي غير أكمامه، فاحتُمِل، ففيه قيمته، ومثله معه، وما كَانَ فِي الخزائن، ففيه القطع، إذا بلغ ثمن الْمِجَنَّ"، رواه أبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، وغيرهما، وهذا الخبر يخص الآية كما خصصناها فِي اعتبار النصاب. انتهى "المغني" ١٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧.

وَقَالَ الحافظ أبو عمر رحمه الله تعالى: واختلف العلماء فِي السارق منْ غير حرز، فأما فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، فإنهم اعتبروا جميعا الحرز فِي وجوب القطع، باتفاق منهم عَلَى ذلك، وقالوا: منْ سرق منْ غير حرز، فلا قطع عليه، بلغ المقدار، أو زاد، والحجة لما ذهب إليه الفقهاء فِي ذلك، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا قطع فِي حريسة جبل (١)، حَتَّى يأويها المراح (٢) "، وأجمعوا أن السارق منْ مال المضاربة والوديعة، لا قطع عليه، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لا قطع عَلَى خائن، ولا مختلس"، وأجمعوا عَلَى ذلك، وفي إجماعهم عَلَى أن لا قطع عَلَى خائن، ولا مختلس دليل عَلَى مراعاة الحرز.

وَقَالَ أهل الظاهر، وبعض أهل الْحَدِيث، وأحمد بن حنبل، فِي رواية عنه: كل سارق يقطع، سرق منْ حرز، وغير حرز؛ لأن الله أمر بقطع السارق أمرا مطلقًا، وبين النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المقدار، ولم يذكر الحرز، قَالَ أبو عمر: الحجة عليهم ما ذكرنا، وبالله توفيقنا. انتهى "التمهيد" ١١/ ٢٢١ - ٢٢٢.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما ذُكر منْ الأدلّة أن الحقّ هو ما عليه


(١) أي ليس فيما يُحرس بالجبل إذا سُرق قطع، لأنه ليس بحرز.
(٢) حديث صحيح سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى برقم ١١/ ٤٩٥٩.