للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مالك أيضًا، وسنده ضعيف، ولفظه: "لا يقطع السارق، إلا فِي المجن"، قَالَ: فعلمنا أنه لا يقطع فِي أقل منْ ثمن المجن، لكن اخْتُلف فِي ثمن المجن، ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: كَانَ قيمة المجن الذي قَطع فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة دراهم، قَالَ: فالاحتياط أن لا يُقطع إلا فيما اجتمعت فيه هذه الآثار، وهو عشرة، ولا يقطع فيما دونها؛ لوجود الاختلاف فيه.

وتعقب بأنه لو سلم فِي الدراهم، لم يسلم فِي النص الصريح فِي ربع دينار، كما تقدم إيضاحه، ودفع ما أعله به، والجمع بين ما اختلفت الروايات فِي ثمن المجن ممكن، بالحمل عَلَى اختلاف الثمن والقيمة، أو عَلَى تعدد المجان التي قطع فيها، وهو أولى.

وَقَالَ ابن دقيق العيد: الاستدلال بقوله: "قطع فِي مجن" عَلَى اعتبار النصاب ضعيف؛ لأنه حكاية فعل، ولا يلزم منْ القطع فِي هَذَا المقدار، عدم القطع فيما دونه، بخلاف قوله: "يُقطع فِي ربع دينار فصاعدا"، فإنه بمنطوقه يدل عَلَى أنه يُقطع فيما إذا بلغ، وكذا فيما زاد عليه، وبمفهومه عَلَى أنه لا قطع فيما دون ذلك، قَالَ: واعتمادُ الشافعيّ عَلَى حديث عائشة -وهو قول- أقوى فِي الاستدلال، منْ الفعل المجرد، وهو قوي فِي الدلالة عَلَى الحنفية؛ لأنه صريح فِي القطع فِي دون القدر الذي يقولون بجواز القطع فيه، ويدل عَلَى القطع فيما يقولون به بطريق الفحوى، وأما دلالته عَلَى عدم القطع فِي دون ربع دينار، فليس هو منْ حيث منطوقه، بل منْ حيث مفهومه، فلا يكون حجة عَلَى منْ لا يقول بالمفهوم.

قَالَ الحافظ: وقرر الباجي طريق الأخذ بالمفهوم هنا، فَقَالَ: دل التقويم عَلَى أن القطع يتعلق بقدر معلوم، وإلا فلا يكون لذكره فائدة، وحينئذ فالمعتمد ما ورد به النص صريحا مرفوعا، فِي اعتبار ربع دينار.

وَقَدْ خالف منْ المالكية فِي ذلك منْ القدماء ابنُ عبد الحكم، وممن بعدهم ابن العربي، فَقَالَ: ذهب سفيان الثوري مع جلالته فِي الْحَدِيث، إلى أن القطع لا يكون إلا فِي عشرة دراهم، وحجته أن اليد محترمة بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أُجمع عليه، والعشرة متَّفقٌ عَلَى القطع فيها عند الجميع، فيُتَمَسَّك به ما لم يقع الاتفاق عَلَى ما دون ذلك.

وتُعُقّب بأن الآية دلت عَلَى القطع، فِي كل قليل وكثير، وإذا اختلفت الروايات فِي النصاب، أُخِذ بأصح ما ورد فِي الأقل، ولم يصح أقل منْ ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، فكان اعتبار ربع دينار أقوى منْ وجهين: [أحدهما]: أنه صريح فِي الحصر، حيث ورد بلفظ: "لا تقطع اليد إلا فِي ربع دينار فصاعدا"، وسائر الأخبار الصحيحة الواردة حكاية