الخارج باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي يخرج من أسفل، وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرح من فوق، وكلاهما ذات واحدة، والفرق بينهما اختلاف المخرجين، فكان تنبيها على أن الحكم للمخرج، وهو ضعيف لأن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة. وأبو حنيفة يحتج لأن المقصود بذلك هو الخارج النجس يكون النجاسة مؤثرة في الطهارة، وهذه الطهارة وإن كانت حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية، أعني طهارة النجس، وبحديث ثوبان "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ" وبما روي عن عمر، وابن عمر رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف، وبما رُوي من أمره - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة، فكان المفهوم من هذا كله عند أبي حنيفة الخارج النجس، وإنما اتفق الشافعي، وأبو حنيفة على إيجاب الوضوء من الأحداث المتفق عليها، وإن خرجت على جهة المرض لأمره - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء عند كل صلاة
المستحاضة، والاستحاضة مرض. وأما مالك فرأى أن المرض له ها هنا تأثير في الرخصة قياسا أيضا على ما روي أيضا من أن المستحاضة لم تؤمر إلا بالغسل فقط، وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا هو متفق على صحته، ويختلف في هذه الزيادة فيه، أعني الأمر بالوضوء لكل صلاة، ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر، قياسا على من يغلبه الدم من جرح ولا ينقطع، مثل ما روي أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دما. اهـ كلام ابن رشد في بدايته ج ١ ص ٣٤ - ٣٥.
وقال العلامة صديق بن حسن القنوجي رحمه الله تعالى في الروضة الندية: قد اختلف أهل العلم في انتقاض الوضوء بخروج الدم، وجميع ما هو نص في النقض أو عدمه لم يبلغ إلى رتبة تصلح للاحتجاج بها، وقد تقرر أن كون الشيء ناقضا للوضوء لا يثبت إلا بدليل يصلح للاحتجاج به، وإلا وجب البقاء على الأصل؛ لأن التعبد بالأحكام