سَرَقَ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ) هَذَا محلّ الشاهد للترجمة، ففيه أن رجل السارق يُقطع بعد يده، والظاهر أن هَذَا بعد سرقته فِي المرة الثالثة؛ لأن الثانية فيها قطع اليد اليسرى. والله تعالى أعلم (ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رضيَ الله عنه، حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا) المراد به يداه، ورجلاه (ثُمَّ سَرَقَ أَيْضًا الخَامِسَةَ) بالنصب: أي السرقة الخامسة (فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَعْلَمَ بِهذَا حِينَ قَالَ:"اقتُلُوهُ) أي أمر بقتله؛ إذ لا ينفعِ فيه قطع أطرافه (ثُمَّ دَفَعَهُ) أي أبو بكر -رضي الله عنه- (إِلَى فِتْيَةٍ) بكسر، فسكون: جمع قِلّة لـ"فَتَى" بفتحتين، وهو الشابّ الْحَدَث، وجمع الكثرة فِتيان (مِنْ قُرَيْش؛ لِيَقْتُلُوهُ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيرِ) رضي الله تعالى عنهما (وَكَانَ يُحِبُّ الإِمَارَةَ) بكسر الهمزة، ويقال فيها: الإمرة بكسر، فسكون: وهي الولاية، يقال: أَمَرَ عَلَى القوم يأمُرُ، منْ باب قتل، فهو أميرٌ، والجمع الأمراء، ويُعَدَّى بالتضعيف، فيقال: أَمّرته تأميرًا. قاله الفيّوميّ (فَقَالَ: أَمِّرُونِي عَلَيْكُمْ) بتشديد الميم: أي اجعلوني أميرًا فِي شأن هَذَا السارق الذي أمر أبو بكر -رضي الله عنه- بقتله (فَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إِذَا ضَرَبَ) أي إذا ضرب عبد الله بن الزبير السارق (ضَرَبُوهُ، حَتَّى قَتَلُوهُ).
قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: سبحان منْ أجرى عَلَى لسانه -صلى الله عليه وسلم- ما آل إليه عاقبة أمره. والحديث يدل بظاهره عَلَى أن السارق فِي المرّة الخامسة يُقتل، وَقَدْ جاء القتل فِي المرّة الخامسة مرفوعًا عن جابر -رضي الله عنه- فِي أبي فى داود، والنسائيّ -أي فِي الرواية الآتية فِي الباب التالي-، والفقهاء عَلَى خلافه، فقيل: لعلّه وُجد منه ارتدادٌ، أوجب قتله، وهذا الاحتمال أوفق بما فِي حديث جابر -رضي الله عنه- أنهم جرّوه، وألقوه فِي البئر؛ إذ المؤمن، وإن ارتكب كبيرةً، فإنه يقبر، ويُصلّى عليه، ولاسيّما بعد إقامة الحدّ عليه، وتطهيره، وأما الإهانة بهذا الوجه، فلا يليق بحال المسلم، وقيل: بل حديث القتل فِي المرّة الخامسة منسوخٌ بحديث: "لا يحلّ دم امرىء مسلم … " الْحَدِيث، وأبو بكر -رضي الله عنه- ما علِمَ بنسخه، فعمل به، وفيه أن الحصر فِي ذلك الْحَدِيث محتاج إلى التوجيه، فكيف يحكم بنسخ هَذَا الْحَدِيث، على أن التاريخ، غير معلوم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث الحارث بن حاطب رضي الله تعالى عنهما هَذَا صحيحٌ، وَقَدْ صححه الحاكم فِي "المستدرك" ٤/ ٣٨٢ لكن تعقّبه الذهبيّ بأنه منكرٌ، ولم يُبيّن وجه النكارة. ولعل وجهها مخالفته لحديث جابر -رضي الله عنه- الآتي فِي الباب التالي، فإن فيه أن قتله كَانَ فِي عهده