عمّهم، كما عمّهم فِي قوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}[البينة: ٧]، وسنبسط هَذَا إن شاء الله.
فالمقصود هنا العموم والخصوص بالنسبة إلى ما فِي الباطن والظاهر منْ الإيمان، وأما العموم بالنسبة إلى الملل، فتلك مسألة أخرى، فلما ذكر الإيمان مع الإسلام، جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وجعل الإيمان ما فِي القلب، منْ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهكذا فِي الْحَدِيث الذي رواه أحمد، عن أنس -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ:"الإسلام علانيةٌ، والإيمان فِي القلب"(١). وإذا ذكر اسم الإيمان مجرّدًا دخل فيه الإسلام، والأعمال الصالحة، كقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث الشعب:"الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، وكذلك سائر الأحاديث التي يُجعل فيها أعمال البرّ منْ الإيمان.
ثم إن نَفَى الإيمان عند عدمها دلّ عَلَى أنها واجبة، وإن ذَكر فضل إيمان صاحبها، ولم ينف إيمانه دلّ عَلَى أنها مستحبة، فإن الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا ينفي اسم مُسمّى أمر، أمر الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا ترك بعض واجباته، كقوله:"لا صلاة إلا بأم القرآن"، وقوله:"لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، ونحو ذلك.
فأما إذا كَانَ الفعل مستحبًا فِي العبادة لم ينفها لانتفها المستحبّ، فإن هَذَا لو جاز لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان، والصلاة، والزكاة، والحج؛ لأنه ما منْ عمل إلا وغيره أفضل منه، وليس أحد يفعل أفعال البرّ مثل ما فعلها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل ولا أبو بكر، ولا عمر، فلو كَانَ منْ لم يأت بكمالها المستحبّ يجوز نفيها لجاز أن ينفى عن جمهور المسلمين منْ الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل. فمن قَالَ: إن المنفيّ هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يُذمّ تاركه، ويتعرّض للعقوبة، فقد صدق، وإن أراد أنه نفي الكمال المستحبّ، فهذا لم يقع قط فِي كلام الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز أن يقع، فإن منْ فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص منْ واجبه شيئاً، لم يجز أن يقال: ما فعله، لا حقيقةً، ولا مجازًا، فإذا قَالَ للأعرابيّ المسيء فِي صلاته:"ارجع، فصلّ، فإنك لم تصلّ"، وَقَالَ لمن صلّى خلف الصفّ، وَقَدْ أمره بالإعادة:"لا صلاة لفذّ خلف الصفّ"، كَانَ لترك واجب، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي