لم يضلّ، فهو متّبعٌ مهتد، وإذا لم يشقَ، فهو مرحوم، وهؤلاء هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم منْ النبيين والصّدّيقين، والشهداء، والصالحين، غير المغضوب عليهم، ولا الضّالّين، فإن أهل الرحمة ليسوا مغضوبًا عليهم، وأهل الهدى ليسوا ضالّين، فتبين أن أهل رهبة الله يكونون متّقين لله، مستحقّين للجنة بلا عذاب، وهؤلاء هم الذين أتوا بالإيمان الواجب.
ومما يدلّ عَلَى هَذَا المعنى قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} الآية [فاطر: ٢٨]، والمعنى لا يخشاه إلا عالم، فقد أخبر الله أن كلّ منْ خشي الله فهو عالم، كما قَالَ فِي الآية الأخرى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} الآية [الزمر: ٩].
والخشية أبدًا متضمّنة للرجاء، ولولا ذلك لكانت قُنوطًا، كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، فأهل الخوف لله، والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله. وَقَدْ رُوي عن أبي حيّان التيميّ أنه قَالَ: العلماء ثلاثة: فعالم بالله، ليس عالمًا بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس عالمًا بالله، وعالم بالله، عالم بأمر الله، فالعالم بالله هو الذي يخافه، والعالم بأمر الله هو الذي يعلم أمره ونهيه، وفي "الصحيح" عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ:"والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بحدوده". وإذا كَانَ أهل الخشية هم العلماء الممدوحون فِي الكتاب والسنّة، لم يكونوا مستحقّين للذّمّ، وذلك لا يكون إلا مع فعل الواجبات. ويدلّ عليه قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: ١٣ - ١٤]، وقوله:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن: ٤٦]، فوعد بنصر الدنيا، وبثواب الآخرة لأهل الخوف، وذلك إنما يكون لأنهم أدَّوا الواجب، فدلّ عَلَى أن الخوف يستلزم فعل الواجب، ولهذا يقال للفاجر: لا يخاف الله. ويدلّ عَلَى هَذَا المعنى قوله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ} الآية [النِّساء: ١٧]،. قَالَ أبو العالية: سألت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقالوا لي: كلُّ منْ عصى الله فهو جاهلٌ، وكلّ منْ تاب قبل الموت، فقد تاب منْ قريب، وكذلك قَالَ سائر المفسّرين، قَالَ مجاهد: كلّ عاص فهو جاهل حين معصيته. وَقَالَ الحسن، وقتادة، وعطاء، والسدّيّ، وغيرهم: إنما سُمُّوا جُهّالاً لمعاصيهم، لا أنهم غير مميّزين. وَقَالَ الزجّاج: ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء؛ لأن المسلم لو أتى ما يجهله كَانَ كمن لم يواقع سوءًا، وإنما يحتمل أمرين: