وكذلك قالوا:{يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}[هود: ٩١]، قَالَ:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}: أي لأفهم ما سمعوه، ثم قَالَ:{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}: أي ولو أفهمهم مع هذه الحال التي هم عليها {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال: ٢٣]، فقد فسدت فطرتهم، فلم يفهموا، ولو فهموا لم يعملوا، فنفى عنهم صحّة القوّة العلميّة، وصحة القوّة العمليّة. وَقَالَ:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} , وَقَالَ:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، وَقَالَ:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٧١]، وَقَالَ عن المنافقين:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}[البقرة: ١٨].
ومن النَّاس منْ يقول: لَمّا لم ينتفعوا بالسمع والبصر، والنطق، صاروا منْ الصُّمِّ العمي البكم، وليس كذلك، بل نفس قلوبهم عميت، وصُمت، وبكمت، كما قَالَ الله تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦]. والقلب هو الملك، والأعضاء جنوده، وإذا صلح صلح سائر الجسد، وإذا فسد فسد سائر الجسد، فيبقى يسمع بالأذن الصوت، كما تسمع البهائم، والمعنى: لا يفقه، وإن فقه بعض الفقه لم يفقه فقهًا تامًا، فإن الفقه التامّ يستلزم تأثيره فِي القلب محبّة المحبوب، وبغض المكروه، فمتى لم يحصل هَذَا لم يكن التصوّر حاصلاً، فجاز نفيه؛ لاْن ما لم يتمّ ينفى، كقوله -صلى الله عليه وسلم- للذي أساء فِي صلاته:"صلّ، فإنك لم تصلّ"، فنَفْيُ الإيمان