للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النِّساء: ١٤٢]. وفي "السنن" عن عمّار -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "إن العبد لينصرف منْ صلاته، ولم يُكتب له منه إلا نصفها، إلا ثلثها"، حَتَّى قَالَ: "إلا عشرها"، وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: "ليس لك منْ صلاتك إلا ما عقلت منها"، وهذا وإن لم يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء، لكن يؤمر بأن يأتي منْ التطوّعات بما يجبُر نقص فرضه، ومعلومٌ أن منْ حافظ عَلَى الصلوات بخشوعها الباطن، وأعمالها الظاهرة، وكان يخشى الله الخشية التي أمره بها، فإنه يأتي بالواجبات، ولا يأتي كبيرة، ومن أتى الكبائر، مثل الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، وغير ذلك، فلابدّ أن يذهب ما فِي قلبه منْ تلك الخشية، والخشوع، والنور، وإن بقي أصل التصديق فِي قلبه، وهذا منْ الإيمان الذي يُنزع منه عند فعل الكبيرة، كما قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق، وهو مؤمن". فإن المتقين كما وصفهم الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١]، فإذا طاف بقلوبهم طائف منْ الشيطان تذكّروا، فيُبصرون. قَالَ سعيد بن جُبير: هو الرجل يغضب الغضبة، فيذكر الله، فيكظم الغيظ. وَقَالَ ليث، عن مجاهد: هو الرجل يهمّ بالذنب، فيذكر الله، فيدعه، والشهوة، والغضب مبدأ السيّئات، فإذا أبصر رجع، ثم قَالَ: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠٢]: أي وإخوان الشياطين تُمدّهم الشياطين فِي الغيّ، ثم لا يقصرون. قَالَ ابن عبّاس: لا الإنس تقصر عن السيّئات، ولا الشياطين تُمسك عنهم، فإذا لم يبصر بقي قلبه فِي غيّ، والشيطان يمدّه فِي غيّه، وإن كَانَ التصديق فِي قلبه لم يكذب، فذلك النور والإبصار، وتلك الخشية والخوف، يخرج منْ قلبه، وهذا كما أن الإنسان يغمض عينيه، فلا يرى شيئًا، وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه منْ رين الذنوب، لا يُبصر الحقّ، وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر.

وهكذا جاء فِي الآثار، قَالَ أحمد بن حنبل فِي "كتاب الإيمان": حدّثنا يحيى، عن أشعث، عن الحسن، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "يُنزع منه الإيمان، فإن تاب أُعيد إليه". وَقَالَ: حدّثنا يحيى، عن عوف، قَالَ: قَالَ الحسن: "يُجانبه الإيمان ما دام كذلك، فإن راجع راجعه الإيمان". وَقَالَ أحمد: حدّثنا معاوية، عن أبي إسحاق، عن الأوزاعيّ، قَالَ: وَقَدْ قلت للزهريّ حين ذكر هَذَا الْحَدِيث: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن"، فإنهم يقولون: فإن لم يكن مؤمنًا، فما هو؟ قَالَ: فأنكر ذلك، وكره مسألتي