للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: إنما خصّ هذه الثلاث بهذا المعنى؛ لأنها لا توجد إلا ممن تنوّر قلبه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشفت له محاسن تلك الأمور، التي أوجبت له تلك المحبّة التي هي حال العارفين. انتهى "المفهم" ١/ ٢١١ - ٢١٢.

(مَنْ كُنَّ فِيهِ) أي منْ وُجدن فيه، فـ"كَانَ" تامّة، أو منْ كُنّ مجتمعةً فيه، فهي ناقصة (وَجَدَ بِهِنَّ) أي بسبب وجودهنّ فيه، أو اجتماعهن فيه (حَلَاوَةَ الأيمَانِ) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هي عبارة عما يجده المؤمن المحقّق فِي إيمانه، المطمئنّ قلبه به، منْ انشراح صدره، وتنويره بمعرفة الله تعالى، ومعرفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة منّة الله تعالى عليه فِي أن أنعم عليه بالإسلام، ونَظَمَه فِي سلك أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام، وحبّب إليه الإيمان والمؤمنين، وبغض إليه الكفر والكافرين، وأنجاه منْ قبيح أفعالهم، ورَكاكة أحوالهم، وعند مطالعة هذه المنن، والوقوف عَلَى تفاصيل تلك النعم، تطير القلوب فرَحًا، وسُرورًا، وتمتلىء إشراقًا وتورًا، فيالها منْ حلاوة ما ألذّها، وحالة ما أشرفها، فنسأل الله تعالى أن يمنّ بدوامها، وكمالها، كما منّ بابتدائها وحصولها، فإن المؤمن عند تذكّر تلك النعم والمنن، لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين فِي تمكّنها، ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِرْبٌ معلوم، وذلك بحسب ما قُسم لهم منْ هذه المجاهدات الرياضيّة، والمنح الربّانيّة. انتهى "المفهم" ١/ ٢١٠.

(وَطَعْمَهُ) بفتح الطاء، كما تقدّم أول الباب، وعطفه عَلَى ما قبله منْ باب عطف التفسير.

وقيل: الحلاوة: الحسن، وبالجملة فللإيمان لذّة فِي القلب تشبه الحلاوة الحسّيّة، بل ربّما يغلب عليها حَتَّى يدفع بها أشدّ المرارت، وهذا مما يَعلَم به مَنْ شَرِح اللهُ صدره

للإسلام، اللَّهم ارزقناها مع الدوام عليها (أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) بنصب "أحبّ" عَلَى أنه خبر "يكون". قيل: المراد هو الحب الاختياريّ، لا الطبيعيّ، ومرجعه إلى أن يختار طاعتهما عَلَى هوى النفس، وغيرها (وَأَنْ يُحِبَّ) أي غيرَ الله سبحانه وتعالى (فِي اللهِ) أي لأجله، لا لأجل أمر آخر منْ الأمور الدنيويّة (وَأَنْ يَبْغُضَ فِي اللهِ) أي لأجله، وهما جميعًا خصلة واحدة؛ للّزوم بينهما عادةً، وحاصل هَذَا هو أن يكون الله تعالى هو المحبوب بالكلّيّة، فلا يقدّم حظوظ نفسه عَلَى محابّه، بل لا يرى نفسه أصلا، إلا منْ حيث كونها عبدا له تعالى، فعند ذلك تصير نفسه وغيره سواء؛ لوجود هَذَا القدر فِي الكلّ، فينظر إلى الكلّ عَلَى حدّ سواء، فلا يُرجّح نفسه عَلَى غيرها أصلاً، ولا يرجح أحدًا عَلَى أحد إلا بقدر قربه منه سبحانه وتعالى، وحينئذ يظهر عليه آثار قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حَتَّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه"، نعم هَذَا لا ينافي