للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ظاهرها، عَلَى ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا داعي لتأويلها، ولأن المعاني التي يؤولون إليها يوجد فيها منْ المحذور عَلَى قولهم ما يلزم فيها؛ فإن الإنعام الذي أولت به المحبّة، أو إرادته هو أيضًا منْ صفات المخلوق، فإذا لزم التشبيه فِي المحبّة، لزم فيه أيضًا، فيفرّون منْ ورطة، ويقعون فِي أخرى.

والحاصل أن التأويل مذهب فاسد؛ لأنه لا يحصل به التخلّص منْ المحذور الذي زعموه، فالحقّ أن تُثبت هذه الصفات لله تعالى، عَلَى ظاهرها الحقيقيّ، كما أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه، عَلَى ما يليق بجلاله. ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق.

قَالَ: فأما محبّة العبد لله تعالى، فقد تأولها بعض المتكلّمين؛ لأنهم فسّروا المحبّة بالإرادة، والإرادةُ إنما تتعلق بالحادث، لا بالقديم. ومنهم منْ قَالَ: لأن محبتنا إنما تتعلّق بمستلذّ محسوس، والله تعالى منزّه عن ذلك، وهؤلاء تأولوا محبّة العبد لله تعالى بطاعته له، وتعظيمه إياه، وموافقته له عَلَى ما يُريد منه. وأما أرباب القلوب، فمنهم منْ لم يتأول محبّة العبد لله تعالى، حَتَّى قَالَ: المحبّة لله تعالى هي الميل الدائم بالقلب الهائم. وَقَالَ أبو القاسم القشيريّ: أما محبّة العبد لله تعالى، فحالة يجدها العبد منْ قلبه، تلطف عن العبارة، وَقَدْ تحمله تلك الحالة عَلَى التعظيم لله تعالى، وإيثار رضاه، وقلّة الصبر عنه، والاحتياج إليه، وعدم الفرار عنه، ووجود الاسئناس بدوام ذكره.

قَالَ: فهؤلاء قد صرّحوا بأن محبّة العبد لله تعالى هي ميلٌ منْ العبد، وتوقان، وحال يجدها المحبّ منْ نفسه، منْ نوع ما يجده فِي محبوباته المعتادة له، وهو صحيح، والذي يوضّحه أن الله تعالى قد جبلنا عَلَى الميل إلى الحسن، والجمال، والكمال، فبقدر ما ينكشف للعاقل منْ حسن الشيء، وجماله، مال إليه، وتعلّق قلبه به، حَتَّى يُفضي الأمر إلى أن يستولي ذلك المعنى عليه، فلا يقدر عَلَى الصبر عنه، وربّما لا يشتغل بشيء دونه.

ثم الحسن، والكمال نوعان: محسوسٌ، ومعنويّ، فالمحسوس، كالصور الجميلة المشتهاة لنيل اللذّة الجسمانية، وهذا فِي حقّ الله تعالى محال قطعًا. وأما المعنويّ، فكمن اتّصف بالعلوم الشريفة، والأفعال الكريمة، والأخلاق الحميدة، فهذا النوع تميل إليه النفوس الفاضلة، والقلوب الكاملة ميلاً عظيمًا، فترتاح لذكره، وتتنعّم بخُبْرِهِ، وخَبَرِه، وتهتزّ لسماع أقواله، وتتشوف لمشاهدة أحواله، وتلتذّ بذلك لذّة روحانيّة، لا جسمانيّةً، كما تجده عند ذكر الأنبياء، والعلماء، والفضلاء، والكرماء، منْ الميل، واللذّة، والرّقّة، والأُنس، وإن كنّا لا نعرف صورهم المحسوسة، وربّما قد نسمع أن بعضهم منْ غير الأنبياء قبيح الصورة الظاهرة، أو أعمى، أو أجذم، ومع ذلك، فذلك