وشاهد الْحَدِيث منْ القرآن، قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى أن قَالَ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، ثم هَدَّد عَلَى ذلك، وتوعد بقوله:{فَتَرَبَصُواْ} الآية [التوبة: ٢٤]. ذكره فِي "الفتح" ١/ ٨٧.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: فيه دليل عَلَى جواز إضافة المحبّة لله تعالى، وإطلاقها عليه، ولا خلاف فِي أن إطلاق ذلك عليه صحيحٌ، محبّا، ومحبوبًا، كما قَالَ تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} الآية [المائدة: ٥٤]، وهو فِي السنّة كثير، ولا يختلف النظّار منْ أهل السنة، وغيرهمِ أنها مؤوّلة فِي حقّ الله تعالى؛ لأن المحبّة المتعارفة فِي حقّنا، إنما هي ميلٌ لما فيه غرَض يستكمل به الإنسان ما نقصه، وسكون لما تلتذّ به النفس، وتكمل بحصوله، والله تعالى منزّه عن ذلك.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله القرطبيّ منْ أنه لا يختلف النظّار منْ أهل السنة الخ أراد به المتكلّمين، فليس هَذَا مذهب أهل السنة منْ السلف، ومن تبعهم منْ أهل الْحَدِيث، فإنهم لا يؤوّلون صفة المحبّة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، بل يثبونها كما أثبتها عَلَى ظاهرها، عَلَى الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى، وأما تفسيره المحبّة بأنها ميلٌ لما فيه غرض الخ فليس أحد ممن له عقل صريح يتخيّل المحبّة التي ثبتت لله سبحانه وتعالى بهذا المعنى، فإنها هي المحبّة الثابتة للمخلوق، وهذا التصوّر هو الذي حمل هؤلاء المؤولين عَلَى ما صاروا إليه منْ تحريف صفات الله تعالى، فلو أنهم نظروا إلى الحقيقة لوجدوا الفرق بين صفات الخالق، والمخلوق، فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ومنها المحبّة والرضا، والغضب، ونحوها، عَلَى الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى، {تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرًا}. ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.
قَالَ: وَقَدْ اختلف أئمتنا فِي تأويلها فِي حقّ الله تعالى، فمنهم منْ صرفها إلى إرادته تعالى إنعامًا مخصوصًا عَلَى منْ أخبر أنه يحبه منْ عباده، وعلى هَذَا ترجع إلى صفة ذاته، ومنهم منْ صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام، وعلى هَذَا فتكون منْ صفات الفعل، وعلى هَذَا المنهاج يتمشّى القول فِي الرحمة، والنعمة، والرضا، والغضب، والسخط، وما كَانَ فِي معناها.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله القرطبيّ جوابه ما تقدّم قبله، فمذهب السلف، وأهل الْحَدِيث أن هذه الصفات منْ الرحمة، والنعمة، والرضا، والغضب، والسخط، وما فِي معناها، صفات أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه، فهم يثبتونها له كما أثبتها لنفسه، منْ غير تشبيه، ولا تمثيل، ومن غير تعطيل، ولا تأويل، بل هي عَلَى