(وَمَنْ أَحَبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) قَالَ أبو العبّاس: يعني بالمرء هنا: المسلم المؤمن؛ لأنه هو الذي يمكن أن يُخْلَصَ لله تعالى فِي محبّته، وأن يُتقرَّب لله تعالى باحترامه، وحرمته، فإنه الموصوف بالأخوّة الإيمانيّة، والمحبّة الدينيّة، كما قَالَ الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الآية [الحجرات: ١٠]، وكما قَالَ تعالى:{فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: ١٠٣]، وَقَدْ أفاد هَذَا الْحَدِيث أن محبّة المؤمن الموصلة لحلاوة الإيمان لابدّ أن تكون خالصة لله تعالى، غير مشوبة بالأعراض الدنيويّة، ولا الحظوظ البشريّة، فإن منْ أحبه لذلك انقطعت محبّته إن حصل له ذلك الغرض، أو يئس منْ حصوله، ومحبة المؤمن وظيفة متعيّنة عَلَى الدوام، وُجدت الأعراض، أو عُدمت. ولَمّا كانت المحبة للأعراض هي الغالبة قلّ وجدان تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لاسيّما فِي هذه الأزمان التي قد امحى فيها أكثر رسوم الإيمان. وعلى الجملة فمحبّة المؤمنين منْ العبادات التي لابدّ فيها منْ الإخلاص فِي حسن النيّات. انتهى "المفهم" ١/ ٢١٤ - ٢١٥.
وَقَالَ يحيى بن معاذ: حقيقة الحب فِي الله أن لا يزيد بالبرّ، ولا ينقص بالجفاء. ذكره فِي "الفتح" ١/ ٨٩.
قَالَ البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي، الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وإن كَانَ عَلَى خلاف هوى النفس، كالمريض يَعاف الدواء بطبعه، فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله، فيَهْوَى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر، ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل، أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تَمَرَّن عَلَى الائتمار بأمره، بحيث يصير هواه تبعا له، ويلتذ بذلك التذاذا عقليا؛ إذ الالتذاذ العقلي: إدراك ما هو كمال، وخير منْ حيث هو كذلك، وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة. قَالَ: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان؛ لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح، ولا مانع فِي الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب منْ يحب إلا منْ أجله، وأن يتقين أن جملة ما وَعَد، وأوعد حقّ يقينا، ويُخَيَّل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء فِي النار. انتهى ملخصا.