فِي القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب، داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر منْ شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُفٌ، قَالَ: فإذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه، حَتَّى يؤمن بالقدر، ثم قَالَ: حدثني أبي، عمر بن الخطاب، قَالَ: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر … " الْحَدِيث.
(قَالَ) عمر -رضي الله عنه- (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) "بينما" هي "بين" الظرفيّة زيدت عليها "ما"، لتكفها عن عملها الخفض لما دخلت عليه، ومثلها "بينا" زيدت عليها الألف، فما بعدهما مرفوع بالابتداء فِي اللغة المشهورة، ومنهم منْ يخفضه، كقول الشاعر:
رُوي بخفض "تعانقه" ورفعه، وعلى هَذَا فـ"ما"، والألف ليستا للكفّ.
(ذَاتَ يَوْمٍ) أي يومًا منْ الأيام، فـ"ذات" مقحمة، وقيل: هي منْ إضافة الشيء لنفسه، عَلَى رأي منْ يُجيز ذلك (إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ) أي ملك، فِي صورة رجل، و"إذ": هي الفجائيّة: أي فاجأنا طلوع رجل، و"طلع علينا" منْ باب منع، ونصر: أي أتانا، ومثله "اطّلع"، أفاده فِي "القاموس". (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَاب، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ) بفتح العين المهملة، وسكونها، زاد فِي رواية ابن حبّان: "سواد اللحية" (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) ببناء الفعل للمفعول، قَالَ النوويّ: ضبطناه بالياء المثنّاة، منْ تحتُ المضمومة، وكذلك ضبطناه فِي "الجمع بين الصحيحين"، وغيره، وضبطه الحافظ أبو حازم العُذْريّ بالنون المفتوحة، وكذا هو فِي "مسند أبي يعلى الموصلي"، وكلاهما صحيح. انتهى. وَقَالَ القرطبيّ: هكذا مشهور رواية هَذَا اللفظ "يُرى" مبنيًا لما لم يُسمّ فاعله بالياء باثنين منْ تحتها، "ولا يعرفه" بالياء أيضًا، وَقَدْ رواه أبو حازم العذريّ: "لا نَرى عليه أثر السفر، ولا نعرفه" بالنون فيهما، مبنيًا للفاعل، ونون الجماعة، وكلاهما واضحٌ المعنى. انتهى.
وفي البخاريّ فِي "التفسير": "إذ أتاه رجل يمشي"، وفي حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ الآتي: "وإنا لجلوس، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مجلسه؛ إذ أقبل رجل، أحسن النَّاس وجهًا، وأطيب النَّاس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنس، حَتَّى سلّم فِي طرَف البساط،