(وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ) أي ركبتي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية لسليمان التيميّ: "ليس عليه سحناء السفر، وليس منْ البلد، فتخطّى، حَتَّى برك بين يدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما يجلس أحدنا فِي الصلاة".
(وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) قَالَ النوويّ: معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه عَلَى فخذي نفسه، وجلس عَلَى هيئة المتعلّم. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الصحيح أن معناه أنه وضع كفه عَلَى فخذي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لما يأتي التصريح به فِي حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ رضي الله تعالى عنهما الآتي بعد هَذَا، ولفظه: "حَتَّى وضع يده عدى ركبتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وَقَالَ فِي "الفتح": وكذا فِي حديث ابن عبّاس، وأبي عامر الأشعري: "ثم وضع يده عَلَى ركبتي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-"، فأفادت هذه الرواية أن الضمير فِي قوله: "عَلَى فخذيه" يعود عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبه جزم البغوي، وإسماعيل التيمي؛ لهذه الرواية، ورجحه الطيبي بحثا؛ لأنه نسق الكلام، خلافا لما جزم به النوويّ، ووافقه التوربشتى؛ لأنه حمله عَلَى أنه جلس كهيئة المتعلم، بين يدي منْ يتعلم منه، وهذا وإن كَانَ ظاهرا منْ السياق، لكن وضعه يديه عَلَى فخذ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مُنَبِّه للإصغاء إليه، وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول منْ التواضع، والصَّفْح عما يبدو منْ جفاء السائل، والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة فِي تعمية أمره؛ ليقوى الظن بأنه منْ جُفَاة الأعراب، ولهذا تخطى النَّاس، حَتَّى انتهى إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم، ولهذا استغرب الصحابة صنيعه، ولأنه ليس منْ أهل البلد، وجاء ماشيا، ليس عليه أثر سفر.
[فإن قيل]: كيف عَرَف عمر -رضي الله عنه- أنه لم يعرفه أحد منهم.
[أجيب]: بأنه يحتمل أن يكون استند فِي ذلك إلى ظنه، أو إلى صريح قول الحاضرين. وهذا الثاني -كما قَالَ الحافظ- أولي، فقد جاء كذلك فِي رواية عثمان بن غياث، فإن فيها: "فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: ما نعرف هَذَا".
وأفاد مسلم، فِي رواية عمارة بن القعقاع، سبب ورود هَذَا الْحَدِيث، فعنده فِي أوله: "قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سلوني، فهابوا أن يسألوه، قَالَ: فجاء رجل … "، ووقع فِي رواية ابن منده، منْ طريق يزيد بن زريع، عن كهمس: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، إذ جاءه رجل، فكأن أمره لهم بسؤاله، وقع فِي خطبته، وظاهره أن مجيء الرجل، كَانَ فِي حال الخطبة، فإما أن يكون وافق انقضاءها، أو كَانَ ذكر ذلك القدر جالسا، وعبر عنه الراوي بالخطبة. انتهى "فتح" ١/ ١٥٩ - ١٦٠.
(ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ) قيل: كيف بدأ بالسؤال قبل السلام؟. أجيب: بأنه يحتمل أن