يكون ذلك مبالغةً فِي التعمية لأمره، أو ليبين أن ذلك غير واجب، أو سلم فلم ينقله الراوي.
وهذا الثالث هو الصواب، فقد ثبت فِي رواية حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ الآتي، ففيه:"حَتَّى سلم منْ طرف البساط، فَقَالَ: السلام عليك يا محمد، فرد عليه السلام، قَالَ: أدنو يا محمد؟ قَالَ: ادن، فما زال يقول: أدنو؟ مرارا، ويقول له: ادن"، ونحوه فِي رواية عطاء، عن ابن عمر، لكن قَالَ:"السلام عليك يا رسول الله"، وفي رواية مطر الوراق:"فَقَالَ: يا رسول الله أدنو منك؟ قَالَ: ادن"، ولم يذكر السلام، فاختلفت الروايات، هل قَالَ له: يا محمد، أو يا رسول الله، وهل سلم، أولا، فأما السلام فمن ذكره مقدم عَلَى منْ سكت عنه. وَقَالَ القرطبيّ، بناء عَلَى أنه لم يسلم، وَقَالَ: يا محمد: إنه أراد بذلك التعمية، فصنع صنيع الأعراب.
قَالَ الحافظ: ويجمع بين الروايتين، بأنه بدأ أولا بندائه باسمه، لهذا المعنى، ثم خاطبه بقوله: يا رسول الله. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأقرب أن يحمل عَلَى تصرف الرواة، فيقال: إنه قَالَ: يا محمد، فعبر بعض الرواة بقوله: يا رسول الله؛ لأن هَذَا أقرب إلى التعمية المذكورة. والله تعالى أعلم.
ووقع عند القرطبيّ: أنه قَالَ: "السلام عليكم يا محمد"، فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام، ثم يخصص منْ يريد تخصيصه. انتهى.
قَالَ الحافظ: والذي وقفت عليه منْ الروايات، إنما فيه الأفراد، وهو قوله:"السلام عليك يا محمد".
(أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ) بدأ بالإسلام، لأنه يتعلّق بالأمر الظاهر، وثنى بالإيمان، لأنه يتعلّق بالأمر الباطن، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ:"فَقَالَ: ما الإيمان"، فبدأ بالإيمان؛ لأنه الأصل، وثَنَّى بالإسلام؛ لأنه يُظهر مِصداق الدعوى، وثَلّث بالإحسان؛ لأنه مُتَعَلِّق بهما. ورجح الطيبي الأول؛ لما فيه منْ الترقّي، ولا شك أن القصة واحدة، اختلف الرواة فِي تأديتها، وليس فِي السياق ترتيب، ويدل عليه رواية مطر الوراق، فإنه بدأ بالإسلام، وثَنَّى بالإحسان، وثَلَّث بالإيمان، فالحق أن الواقع أمر واحد، والتقديم والتأخير وقع منْ الرواة، والله تعالى أعلم. قاله الحافظ.
وَقَالَ القرطبيّ: الإسلام فِي اللغة: هو الاستسلام، والانقياد، ومنه قوله تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية [الحجرات: ١٤]: أي انقدنا، وهو فِي الشرع: الانقياد بالأفعال الظاهرة الشرعيّة، ولذلك قَالَ -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أنس -رضي الله عنه- عنه: "الإسلام علانية،