وَقَالَ القرطبيّ: والصلاة فِي اللغة: الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣]: أي ادع، وَقَالَ الأعشى:
عَلَيْكِ مِثْلَ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي … نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
وقيل: إنها مأخوذة منْ الصَّلَا، والصلا: عِرْقٌ عند أصل الذنب، ومنه قيل للفرس الثاني فِي الحلبة: مصَلٍّ؛ لأن رأسه عند صلا السابق، قَالَ الشاعر:
فَصَلَّى أَبُوهُ لَهُ سَابِقُ … بِأَنْ قِيلَ فَاتَ الْعِذَارُ الْعِذَارَا (١)
والأول أولى وأشهر، وهي فِي الشرع: أفعال مخصوصةٌ، بشروط مخصوصة، الدعاء جزء منها. انتهى.
(وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ) زاد فِي أبي هريرة: "المفروضة". قَالَ القرطبيّ: الزكاة لغة: هي النماء، والزيادة، يقال: زكا الزرع والمالُ، وسُمّي أخذ جزء منْ مال المسلم الحرّ زكاةً؛ لأنها إنما تؤخذ منْ الأموال النامية، أو لأنها قد نمت، وبلغت النصاب، أو لأنها تُنَمِّي المال بالبركة، وحسنات مؤديها بالتكثير. انتهى.
(وَتَصُومَ رَمَضَانَ) قَالَ القرطبيّ: والصوم: هو الإمساك مطلقًا، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} الآية [مريم: ٢٦]: أي إمساكًا عن الكلام، وَقَالَ الشاعر:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ … تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلِكُ اللُّجُمَا
أي ممسكة عن الحركة. وهو فِي الشرع: إمساك جميع أجزاء اليوم عن أشياء مخصوصة، بشرط مخصوص. انتهى.
واستُدل به عَلَى جواز قول "رمضان" منْ غير إضافة "شهر"، إليه. قاله فِي "الفتح". وَقَدْ تقدّم تمام البحث فِي هَذَا فِي "كتاب الصيام"، وبالله تعالى التوفيق.
(وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قَالَ القرطبيّ: الحج: هو القصد المتكرّر فِي اللغة، قَالَ الشاعر:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولاً كثِيرَةً … يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
وهو فِي الشرع: القصد إلى بيت الله المعضم؛ لفعل عبادة مخصوصة، والحجّ بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، وقُرىء بهما: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧].
والاستطاعة: هي القوّة عَلَى الشيء، والتمكّن منه، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: ٩٧]. انتهى. وَقَدْ تقدّم بيان كلّ ذلك
(١) "العذار": هو ما سال عَلَى خدّ الفرس منْ اللجام.