للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لفهم الأدلة، لم يكتف منه إلا بالإيمان عن دليل، ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه، وتكفي الأدلة المجملة، التي تحصل بأدنى نظر، ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه، قَالَ فبهذا يحصل الجمع بين كلام الطائفة المتوسطة.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الجمع لا حاجة لنا إليه أصلاً؛ لأن إيجاب النظر عَلَى أيّ أحد قول بلا دليلٌ، فتنبّه.

قال: وأما منْ غلا، فقالى: لا يكفي إيمان المقلد، فلا يلتفت إليه، لما يلزم منه منْ القول بعدم إيمان أكثر المسلمين، وكذا منْ غلا أيضًا، فقال: لا يجوز النظر فِي الأدلة؛ لما يلزم منه منْ أن أكابر السلف لم يكونوا منْ أهل النظر. انتهى ملخصا. انتهى "فتح" ١٤/ ٢٩٦ - ٣٠٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "لما يلزم منه منْ أن أكابر السلف الخ": هَذَا هو الواقع، فلم يُنقل منْ الصحابة، فمن بعدهم أنهم استعملو شيئا منْ أدلة المتكلّمين، فمن ادّعى ذلك فقد افترى عليهم، بل السلف الذين حدث فِي عصرهم علم الكلام، كالشافعيّ، وأحمد، وغيرهما قد أنكروه، وحرّموه، ونفّروا النَّاس عنه، فأين السلف الذين تعلّموا علم الكلام، فكانوا منْ أهل النظر، حاشا وكلّا، ثم حاشا وكلّا.

والحاصل أن الحقّ الذي لا محيد عنه، ولا يجوز لأحد أن يخالفه أن الإيمان هو معرفة الله تعالى، ومعرفة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن طريق النقل، لا عن طريق علم الكلام، فمن أبى هَذَا فهو ضالٌ مضلّ، اللَّهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨].

هَذَا ما أردت نقله منْ كلام المحققين، وإنما أطلت فِي النقول؛ لما رأيت منْ انهماك كثير ممن ينتسب إلى العلم بتصويب آراء الخلف المخالفة لهدي رسولى الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أتى ليهدي النَّاس إلى ربهم بأقوم طريق، وأحسنه، وأبينه، وأسهله، وأيسره، وما ذاك إلا لبعدهم عما كَانَ عليه السلف منْ التحذير عن بدع المتكلمين، وحثّهم النَّاس بالتمسّك بهدي الكتاب والسنة الذين بهما الكفاية فِي هداية الخلق أجمعين، رزقنا الله تعالى التمسّك بهما، والاكتفاء بهديهما، إنه سميع قريب مجيب الدعوات، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

***