المكان المرتفع، يُجلس عليه، وهو المِسْطَبّة، معرّبٌ، والجمع دِكَكٌ، مثل قصْعة وقِصَعٌ. أفاده فِي "المصباح". وفيه جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع منْ المسجد، إذا دعت الحاجة إليه، كما تقدّم إيضاحه فِي المسألة الثالثة منْ مسائل حديث الباب الماضي (كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّا لَجُلُوسٌ) جمع جالس، كالقُعُود، أو هو منْ إطلاق المصدر موضع الجمع (وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسِهِ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ)"إذ" هي الفجائيّة، وفي بعض النسخ "إذا" بدل "إذ"، وهي أيضًا تأتي للمفاجأة (أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا، كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا) بفتح الميم، وضمها، منْ باب تَعِبَ، ونصر (دَنَسٌ) بفتحتين: أي وسخٌ (حَتَّى سَلَّمَ فِي طَرَفِ الْبِسَاطِ) بالكسر، كالفراش وزنًا ومعنى، جمع بُسُطٌ، وهو فعالٌ بمعنى مفعولٌ، ككتاب بمعنى مكتوب، وهذا يدلّ عَلَى أنهم فرشوا له -صلى الله عليه وسلم- بساطًا يجلس عليه. وفي شرح السنديّ:"منْ طرف السماط" بالميم بدل الموحّدة، وَقَالَ: السماط بكسر السين: الصفّ منْ النَّاس. انتهى. ولم أر هذه النسخة فيما عندي منْ النسخ، والله تعالى أعلم. (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ) إنما ناداه باسمه زيادة فِي التعمية، كما تقدّم (فَرَدَّ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (عَلَيْهِ) أي عَلَى الرجل السَّلَامُ، (قَالَ) الرجل (أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ؟) بفتح الهمزة، وهي همزة المتكلّم، أي أأدنو "ففيه حذف همزة الاستفهام، وهو مضارع دنا، منْ الدنوّ، وهو القرب (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (ادْنُهْ) فعل أمر منْ الدنّوّ، والهاء للسكت.
(فَمَا زَالَ يَقُولُ) الرجل (أَدْنُو مِرَارًا، وَيَقُولُ) -صلى الله عليه وسلم- (لَهُ: "ادْنُ"، حَتى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: وإنما فعل جبريل -عليه السلام- ذلك -والله أعلم- تنبيهًا عَلَى ما ينبغي للسائل، منْ قوّة النفس عند السؤال، وعدم المبالاة بما يقطع عليه خاطره، وإن كَانَ المسؤول ممن يُحترم، ويُهاب، وعلى ما ينبغي للمسؤول منْ التواضع، والصفح عن السائل، وإن تعدّى عَلَى ما ينبغي منْ الاحترام والأدب انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأقرب عندي فِي الوجه الأول، وهو قوله: "تنبيها عَلَى ما ينبغي للسائل الخ" أنه إنما فعل ذلك تعميةً لحاله عَلَى الحاضرين. والله تعالى أعلم.
(قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي مَا الإِسْلَامُ؟) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ما معناه: إن سؤال جبريل -عليه السلام- عن الإسلام والإيمان بلفظ "ما" يدلّ عَلَى أنه إنما سأل عن حقيقتهما عنده، لا عن شرح لفظهما فِي اللغة، ولا عن حكمهما؛ لأن "ما" فِي أصلها إنما يُسأل بها عن الحقائق، والماهيّات، ولذلك أجابه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أن تؤمن بالله، وبكذا، وكذا، فلو كَانَ سائلا عن شرح لفظهما فِي اللغة لما كَانَ هَذَا جوابًا له؛ لأنه