أحدهما: أن يكون هذا القائل نظر إلى ما في بعض الروايات، وهو أن يكون الشك لمن هو في المسجد، وكونه في المسجد أعم من كونه في الصلاة، فيؤخذ من هذا إلغاء ذلك القيد الذي اعتبره القائل الآخر، وهو كونه في الصلاة، ويبقى كونه شاكا في سبب ناجز، إلا أن القائل الأول له أن يحمل كونه في المسجد على كلونه في الصلاة، فإن الحضور في المسجد يراد للصلاة، فقد يلازمها فيعبر به عنها وهذا -وإن كان مجازا- إلا أنه يقوى إذا اعتبر الحديث الأول، وكان حديثا واحدا مخرجه من جهة واحدة، فحينئذ يكون ذلك الاختلاف اختلافا في عبارة الراوي بتفسير أحد اللفظين بالآخر ويرجع إلى أن المراد كونه في الصلاة.
الثاني: -وهو أقوى من الأول- ما ورد في الحديث "إن الشيطان ينفخ بين أليتي الرجل"، وهذا المعنى يقتضي مناسبة السبب الحاضر لإلغاء الشك.
قال: وإنما أوردنا هذه المباحث ليتلمح الناظر مآخذ العلماء في أقوالهم فيرى ما ينبغي ترجيحه فيرجحه، وما ينبغي إلغاؤه فيلغيه والشافعي رحمه الله ألغى القيدين معا -أعني كونه في الصلاة، وكونه في سبب
ناجز- واعتبر أصل الطهارة اهـ إحكام الأحكام ج ١ ص ٣١٨ - ٣٢٦.
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن في المسألة أربعة أقوال: عدم العمل بالشك مطلقا، العمل به مطلقا، عدم العمل إن عرض في الصلاة، والعمل به إن عرض خارجها، عدم العمل به إن كان في سبب حاضر، والعمل به إن كان شكا في سبب غير حاضر.
ولا يخفى أن الراجح هو عدم العمل بالشك مطلقا كما هو مذهب الشافعي، والجمهور، لوضوح دليله. والله أعلم.