في الصلاة، وكونه موجودا في الصلاة معنىً يمكن أن يكون معتبرا، فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها على ما اقتضاه استدلالهم في مثل هذا بقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٣] فصارت صحة الصلاة أصلا سابقا على حالة الشك، مانعا من الإبطال، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع، وصحة العمل ظاهرًا معنىً ينايسب عدم الالتفات إلى الشك يمكن اعتباره، فلا ينبغي الغاؤه. ومن أصحاب مالك مَنْ قَيَّد هذا الحكم -أعني اطراح هذا الشك- بقيد آخر، وهو أن يكون الشك في سبب حاضر كما جاء في الحديث حتى لو شك في تقدم الحدث على وقته الحاضر لم تبح له الصلاة ومأخذ هذا ما ذكرناه من أن مورد النص ينبغي اعتبار أوصافه التي ينبغي اعتبارها، ومورد النص اشتمل على هذا الوصف، وهو كونه شك في سبب حاضر فلا يلحق به ما ليس في معناه من الشك في سبب متقدم إلا أن هذا القول أضعف قليلًا من الأول؛ لأن صحة العمل ظاهرا، وانعقاد الصلاة سبب مانع مناسب لاطراح الشك، وأما كون السبب ناجزا فإما غير مناسب، أو مناسب مناسبة ضعيفة، والذي يمكن أن يقرر به قول هذا القائل أن يرى أن الأصل الأول -وهو ترتب الصلاة في ذمته- معمول به، فلا يخرج عنه إلا بما ورد فيه النص، وما بقي يعمل فيه بالأصل، ولا يحتاج في المحل الذي خرج عن الأصل بالنص إلى مناسبة كما في صور كثيرة عمل فيها العلماء هذا العمل -أعني أنهم اقتصروا على مورد النص إذا خَرَجَ عن الأصل أو القياس من غير اعتبار مناسبة، وسببه أن إعمال النص في مورده لابد منه، والعمل بالأصل- أو بالقياس المطرد- مسترسل، لا يخرج عنه إلا بقدر الضرورة، ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص، ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده، سواء كان مناسبا، أو لا، وهذا يحتاج معه إلى إلغاء وصف كونه في صلاة.