للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كمال فِي غير المسلمين، ويمكن حمله عَلَى عمومه، عَلَى إرادة شرط، وهو إلا بحق، مع إن إرادة هَذَا الشرط متعينةً عَلَى كل حال؛ لما سيأتي منْ استثناء إقامة الحدود، ونحوها عَلَى المسلم. أفاده فِي "الفتح" ١/ ٧٩.

(مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) أي منْ لا يؤذي أحدًا بوجه منْ الوجوه، لا باليد، ولا باللسان، ولا اعتراض بإجراء الحدود، والتعزير، وما يستحقّه المرء؛ لأن ذلك مستثنًى منْ هَذَا العامّ بالإجماع، ولأنه إصلاح، أو طلب للحقّ، لا إيذاء شرعًا.

والمقصود أن الكمال فِي الإسلام لا يتحقّق بدون هَذَا، ولا يكون المرء بدون هَذَا الوصف مؤمنا كاملاً، لا أنه إذا تحقّق هَذَا الوصف تحقّق هَذَا الكمال فِي الإسلام، وإن كَانَ مع ترك الصلاة، ونحوها؛ لجواز عموم المحمول منْ الموضوع.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: أي منْ كانت هذه حاله، كَانَ أحقّ بهذا الاسم، وأمكنهم فيه، ويُبيّن ذلك أنه لا ينتهي الإنسان إلى هَذَا حَتَّى يتمكّن منْ قلبه خوف عقاب الله تعالى، ورجاء ثوابه، فيُكسبُهُ ذلك وَرَعًا يحمله عَلَى ضبط لسانه ويده، فلا يتكلّم إلا بما يَعنيه، ولا يفعل إلا ما يسلم فيه، ومن كَانَ كذلك فهو المسلم الكامل، والمتّقي الفاضل. ويقرب منْ هَذَا المعنى، بل يزيد عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حَتَّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه"، إذ معناه أنه لا يتمّ إيمان أحد الإيمان التامّ الكامل حَتَّى يضمّ إلى سلامة النَّاس منه إرادته الخير لهم، والنصح لجميهم، فيما يُحاوله معهم. انتهى "المفهم" ١/ ٢٢٤.

وإنما خص اللسان بالذكر؛ لأنه المعبر عما فِي النفس، وهكذا اليد؛ لأن أكثر الأفعال بها، والحديث عام بالنسبة إلى اللسان، دون اليد؛ لأن اللسان يمكنه القول فِي الماضين، والموجودين، والحادثين بعدُ بخلاف اليد، نعم يمكن أن تشارك اللسانَ فِي ذلك بالكتابة، وأن أثرها فِي ذلك لعظيم.

وقدّم اللسان عَلَى اليد؛ لأن إيذاء اللسان أكثر وقوعًا، وأسهل؛ ولأنه أنه أشدّ نكايةً، ولهذا كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسّان -رضي الله عنه-: "اهجُ المشركين، فإنه أشدّ عليهم منْ رَشْق النبل"، وَقَالَ الشاعر:

جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامُ … وَلَا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ

وفي التعبير باللسان دون القول نكتة، فيدخل فيه منْ أخرج لسانه عَلَى سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها منْ الجوارح نكتة، فيدخل فيها اليد المعنوية، كالاستيلاء عَلَى حق الغير بغير حق.

(وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ) بكسر الميم، منْ باب تعب (النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ) يعني